وضع الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته، التي سمعها العالم بأسره، حدًّا لكل ما سبقها من تحليلات وتنظيرات وتوقعات شغلت الأقربين والأبعدين على مدى الأيام، التي تلت الإعلان عن موعدها، خصوصًا أن ما سبقها من ترويج لها استفاد من الحالة النفسية لدى جميع الذين كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم لمعرفة القرار، الذي يمكن أن يُتخذ.
فبعد 3 تشرين الثاني يشبه كثيرًا بمفاعيله السياسية عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول، وبالتالي يمكن القول إن ما بعد كلمة نصرالله ليس كما قبلها. فما قاله كان مدروسًا كلمة كلمة، التي اختيرت بدّقة ومسؤولية، لأن الظرف الذي تمرّ به المنطقة هو أكثر من دقيق وخطير، خصوصًا بالنسبة إلى موقع لبنان من المعادلات الجديدة القائمة، في ضوء ما تتعرّض له غزة من مخططات تفوق بمفاعيلها الاستراتيجية كل تصوّر أو توقّع.
فما قاله نصرالله كان متوقعًا. أمّا ما لم يقله فهو أخطر بكثير مما قاله. وهذا ما لا يزال يقلق العدو والدول الغربية المتضامنة معه، لأن ما لم يُقل يبقي عنصر المفاجأة عنصرًا أساسيًا في المعركة النفسية والمعنوية، التي تلازم المعارك العسكرية. وهذا الأمر يجيده "حزب الله"، بل يتقن تقنياته بحرفية فائقة، خصوصًا أن إعلامه العسكري المتطور تقنيًا والمزوّد بأحدث الأساليب التكنولوجية يسمح له بالتأثير الإيجابي في عملية رفع المعنويات في صفوف المقاتلين، وفي ضخّ نسبة مرتفعة من عناصر القلق في صفوف العدو، سياسيًا وعسكريًا.
فما سبق الكلمة قد يوازي بأهميته الدعائية والترويجية أهمية الكلمة بحدّ ذاتها، مع ما أحدثته من حال ترّقب في مختلف الدوائر الدولية، وبالأخص لدى تل أبيب، بحيث أصبحت أنظار العالم مشدودة إلى هذه الكلمة، وما يمكن أن يعلنه "سيد المقاومة" في هذه المرحلة المفصلية، التي تتزامن مع تحريك إيران كل العواصم العربية، التي سبق أن قالت عنها إنها تشكّل منظومة متكاملة تبدأ باليمن وتمرّ بالعراق وسوريا ولبنان وتنتهي بغزة.
ما أعلنه نصرالله هو قليل من كثير، تاركًا المجال واسعًا للتعاطي مع هذه المواقف من مناظير مختلفة، مع استمرار الإيحاء للجميع بأن يده لا تزال قابضة على الزناد، مع التذكير بأن أي تدّخل مباشر له من شأنه أن يعيد خلط الأوراق، ويجعل البعض يعيد حساباته. وهذا ما حصل في سوريا عندما انخرط في الحرب فيها مباشرة. ويُقال إنه أحدث فيها من خلال هذا الانخراط كل الفرق.
"لنحمي ونبني". هو شعار أطلقه "حزب الله" في حملته الانتخابية النيابية الأخيرة، والتي أفضت إلى انتخاب 27 نائبًا شيعيًا توزّعوا على "الثنائي الشيعي. ومن هذا الشعار استوحى السيد نصرالله خطابه المفصلي، الذي حذّر العدو من ارتكاب أكبر حماقة في تاريخه إذا فكرّ بجرّ لبنان إلى حرب شاملة. وقال ردًّا على الذين يطالبون المقاومة بالتدخل في "المعركة الكبرى": "لقد دخلنا معركة "طوفان الأقصى" منذ 8 تشرين الأول، مضيفًا "أخذنا علماً بعملية "طوفان الأقصى" كما كل العالم، وسريعاً انتقلنا من مرحلة إلى مرحلة"، ولفت إلى أن "ما يجري على جبهتنا مهم ومؤثر جداً وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان، ولن يتم الاكتفاء بما يجري على جبهتنا على كل حال".
وأضاف: "المقاومة الاسلامية في لبنان منذ 8 تشرين الأول تخوض معركة حقيقية لا يشعر بها الا من هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها واجراءاتها واستهدافاتها". كما لفت إلى أن "الجبهة اللبنانية خففت جزءا كبيرا من القوات التي كانت ستسخر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا"، مضيفًا "لو كان موقفنا التضامن سياسيا والتظاهر لكان الإسرائيلي مرتاحًا عند الحدود الشمالية وكانت قواته ستذهب إلى غزة".
فما قاله نصرالله في كلمته كان واضحا ولكنه أبقى الكثير من الأمور غامضة، وذلك عندما قال "إننا لن نكتفي بما يحصل في الجبهة الجنوبية بهذا القدر، وأن هذه الجبهة مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات وفق التطورات الميدانية في غزة، ووفق ما يخطّط له العدو من عدوان شامل على لبنان.
ما لم يقله نصرالله في كلمته، وفق بعض المحللين في محور المقاومة، هو أكثر قوة مما قاله، وهذا ما سيجعل إسرائيل تحسب ألف حساب لما يمكن أن تقدم عليه مستقبلًا في غزة وفي لبنان. وقال سماحته "لقد دخلنا معركة "طوفان الأقصى" منذ 8 تشرين الأول، مضيفًا "أخذنا علماً بعملية "طوفان الأقصى" كما كل العالم، وسريعاً انتقلنا من مرحلة إلى مرحلة"، ولفت إلى أن "ما يجري على جبهتنا مهم ومؤثر جداً وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان، ولن يتم الاكتفاء بما يجري على جبهتنا على كل حال".
وخلص إلى القول بأن "هذا الحضور في الجبهة وهذا العمل اليومي يجعل العدو مردوعًا"، مشيرًا إلى أن "عمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك".
في الخلاصة، يمكن القول أن نصرالله أعطى مجالًا واسعًا للضغط الدولي والعربي على إسرائيل وللعمل الديبلوماسي لوقف عدوانها على غزة، مبقيًا يده في الوقت ذاته على الزناد.