سمحت الهدنة الإنسانية الممدّدة في غزة والمسحوبة بشكل أو بآخر على الجنوب اللبناني للساعين إلى الفصل بين الساحتين إلى تكثيف جهودهم توصلًا إلى إقناع كل من قيادتي "حزب الله" وحركة "حماس" بأن الربط بين ما يجري في غزة من مخطّط تهجيري وتدميري قد ينعكس في شكل أسوأ على لبنان في حال بقيت جبهته الجنوبية مفتوحة على كل الاحتمالات. ولكن هذه الاتصالات والمساعي لن تؤتى ثمارها إذا اقتصرت فقط على الجانبين اللبناني والفلسطيني، بل يجب أن تُستكمل بتواصل أميركي مع تل أبيب للضغط عليها لعدم إدخال لبنان في حرب قد تكون مفاعيلها أخطر بكثير مما تعتقده حكومة نتنياهو، التي بدأت تواجه ضغطًا دوليًا غير مسبوق، وبالأخصّ بعدما تبيّن للرأي العام العالمي مدى فظاعة ما تعرّض له قطاع غزة من قصف وحشي وممنهج.
ومع عودة أهالي القرى الجنوبية الحدودية إليها مستفيدين من الهدنة الممدّدة لتفقد منازلهم وحقولهم ومعاينة الأضرار التي لحقت بها تبيّن أن عدد الوحدات السكنية التي تضرّرت بلغت 61 وحدة وفق إحصاء أولي أجراه مجلس الجنوب، الذي كشف أن موازنته الحالية لا تسمح له بمساعدة الأهالي لإعادة إعمار منازلهم التي لحقت بها أضرار متفاوتة، الأمر الذي دفع بالأهالي للجوء إلى "حزب الله" من خلال مؤسساته الخدماتية، ومن بينها "جهاد البناء"، لاعتقاد البعض منهم بأن "الحزب" هو المسؤول ألأول عمّا أصاب أرزاقه من أضرار، وعليه بالتالي واجب المساعدة الفورية للتعويض عليه. أمّا البعض الآخر فلجأ إلى "الحزب" من منطلق عقائدي بحت، وهو الذي لا يجد جدوى من لجوئه إلى الإدارات الرسمية لكي تعوّض عليه ما خسره في "حرب المساندة"، مع أن الحكومة، وعلى رغم ضآلة الإمكانات، وعدت بتقديم المساعدة الفورية إلى جميع المتضرّرين وهذا ما أبلغه الرئيس ميقاتي للنائب حسن فضل الله.
وأمام هذا الواقع المأزوم، الذي عايشه أهالي القرى الجنوبية المتضررة في القطاعات الغربي والشرقي والأوسط، وأمام صعوبة تأمين ما يكفي لإعادة إعمار المنازل التي تهدّمت، لا بدّ من طرح سؤال بديهي، وهو الذي يطرحه كل لبناني على نفسه وعلى جميع المسؤولين، بمن فيهم بالأخص مسؤولي "حزب الله" عمّن يتحمّل مسؤولية ما يمكن أن يحّل بلبنان من دمار وخراب، على غرار ما هو حاصل في غزة، في حال توسّعت الحرب وشملت معظم المناطق اللبنانية، التي يضعها العدو الإسرائيلي في خانة "بنوك أهدافه"، ومن بينها البنى التحتية.
الإجابة عن هذا السؤال، الذي يقضّ مضاجع جميع اللبنانيين، ليس بالأمر السهل، خصوصًا أن الدول التي ساعدتهم بعد حرب تموز لإعادة إعمار ما هدّمته ودمّرته إسرائيل تبدو عاجزة هذه المرّة عن مدّ يد المساعدة للبنان وغزة معًا، فيما يتكفّل الأميركيون في المقابل بإعادة إعمار ما يمكن أن يلحق بإسرائيل من دمار وخراب نتيجة تعرّض أكثر من منطقة فيها لردّ قاسٍ من قِبل "حزب الله".
وفيما يبقى الغموض والوجوم هما المسيطران على الواقع الميداني يؤكد القريبون من "حارة حريك" أن المقاومة باقية على سلاحها، وهي على استعداد وجهوزية تامة للتعامل مع أي تطور، خصوصًا أنها استفادت من هدنة غزة لإعادة تقييم الوضع الميداني في ضوء ما حققته في الأيام، التي سبقت تلك الهدنة، من أهداف تعتبرها أولية، وذلك نظرًا إلى المفاجآت، التي تخبئها للعدو.
أمّا ما هو جديد في المعادلة القائمة في الجنوب فهو ما كشفته أوساط سياسية، وإن لم يتأكد بعد، عن توجه أميركي – أوروبي لطرح تعديل القرار الدولي 1701 على مجلس الأمن الدولي أو التصويت على مشروع قرار جديد يؤدي إلى تطبيق جوهر القرار 1701 بذريعة أن "حزب الله" خرق هذا القرار في ظل عجز القوات الدولية والجيش عن تطبيقه بتفاصيله لا سيما منع أي مظاهر مسلحة في جنوب الليطاني. وهذا الأمر سيكون مدار بحث معمّق في المرحلة المقبلة في ضوء الانتقال من الهدن المؤقتة والمتتالية إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وفي الجنوب.