صدر عن مكتب الامم المتحدة بيان اعتبر فيه أن "مجلس النواب اللبناني أقر قانوناً يُنشئ نظاماً شاملاً للمعاشات التقاعديّة للعاملين في القطاع الخاص ويُعيد تشكيل إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".
قال البيان:" لم تتكلل بالنجاح المحاولات السابقة التي امتدت على مدى ثلاثة عقود لاستبدال نظام تعويضات نهاية الخدمة في لبنان بنظام معاشات تقاعديّةٍ حديث. وحتى الأمس القريب، كان لبنان واحدًا من دولتين في المنطقة العربية ليس لديهما مخطط يحمي العمّال المؤمَّن عليهم الذين يتمتعون بمنافع دوريّة طويلة الأمد عند التقاعد والوفاة والعجز. قدَّمت منظمة العمل الدولية دعمًا فنيًّا واسع النطاق إلى اللجان البرلمانية ذات الصلة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومنظمات العمّال وأصحاب العمل في لبنان للتوصل إلى توافقٍ في الآراء بشأن تصميم المخطط ومعاييره وصياغة النص النهائي للتشريع الذي اعتمده مجلس النواب، وضمان مواءمته مع معايير العمل الدوليّة للضمان الاجتماعي".
وقالت المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية الدكتورة ربا جرادات: "نهنئ جميع الشركاء في لبنان على تحقيق هذا الإنجاز التاريخي. ففي وقت يعاني فيه لبنان أزمات اجتماعيّة واقتصاديّة غير مسبوقة، تتضح مليًّا الحاجة إلى تعزيز الإصلاحات الهيكليّة على أنّها أمرٌ ممكنٌ، ولا مفر منه".
أضافت: "إنَّ تعزيز آليّات الحماية الاجتماعية العامة وتحسين أداء المؤسسات الوطنيّة أمر بالغ الأهميّة لضمان أن يكون الانتعاش الاقتصادي مصحوبًا بتعزيز العدالة الاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها"، منوِّهةً بـ "التعاون مع وزراء العمل الذين قادوا هذا المسعى".
ويعتبر الوزير والنائب السابق نقولا نحاس، الذي ترأس اللجنة النيابية الفرعية التي تولّت مراجعة مشروع القانون ووضعت اللمسات النهائية عليه في المجلس التشريعي السابق، بحسب البيان، أن "ما تحقق إنجازٌ كبير للبنان. وعقب قائلاً:"لقد تابعنا هذا التشريع التحويلي منذ سنوات ويسرّنا أن يُقر اليوم فهو يمثل خطوةً حاسمةً إلى الأمام بالنسبة لبلدنا نظرًا للفائدة التي سيعود بها على كلٍّ من العمّال وأصحاب العمل". وأمل أن "يحقق التنفيذ الأهداف المرجوَّة في الوقت المناسب".
تابع البيان:" تضرر كبار السن في لبنان بشدةٍ نتيجة الأزمات غير المسبوقة التي ابتليت بها البلاد منذ عام 2019 - بدءًا بانهيار الاقتصاد إلى جائحة كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت في آب 2020. إن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في أنحاء البلاد كافة إلى جانب عدم كفاية نظام الحماية الاجتماعية، جعل من الصعب على الجميع تلبية احتياجاتهم الأساسية، وأثَّر سلبًا في الرفاه الاجتماعي والجسدي لكبار السنّ. وحتّى قبل هذه الأزمات، كان نظام تعويضات نهاية الخدمة عاجزاً عن توفير الحماية في سن الشيخوخة. وقد تراجعت قيمة هذه التعويضات نتيجة انهيار الليرة اللبنانية، مما ترك المؤمَّن عليهم معدومي الدخل، وأرغم كثرًا على مواصلة العمل حتى الشيخوخة".
أضاف:"ستُحتسب استحقاقات التقاعد الجديدة مع الأخذ في الاعتبار مبلَغَين من مبالغ الحد الأدنى المشمولة في الضمان: أوّلاً 80 في المئة من الحد الأدنى للأجور بعد 30 سنة من المساهمة، وثانيًا 1.33 في المئة عن كل سنة من متوسط أجر المؤمن عليه بعد إعادة تقييمه. ستُسدد الإعانات في حال العجز، وسيتم تحويلها إلى الورثة في حال وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش. وستُربط قيم المعاشات التقاعديّة بمؤشر التضخم من خلال عملية تعديل سنوية".
وعلَّق المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي بالقول وفقًا للبيان:" "يُعدُّ هذا الإصلاح أحد أهم الإصلاحات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي حققها لبنان في السنوات الثلاثين الماضية. لقد عملنا جاهدين على مراجعة قانون الضمان الاجتماعي مراجعةُ كاملةً، وذلك لضمان تقاعدٍ لائقٍ للشعب اللبناني. نحن ممتنون للدعم الذي تلقيناه من منظمة العمل الدولية، لا سيّما في ما يتعلق بالمشورة المتعلقة بالمعايير الاكتوارية والقانونيّة والمرافقة المستمرة والوثيقة لهذا المشروع، ونتطلع إلى مواصلة الشراكة لتطوير أنظمة تنفيذ قوية".
تابع البيان:" واعتبر عضو مجلس النواب ورئيس لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية بلال عبد الله أن "القانون الذي أقره البرلمان بناءً على الاقتراح الذي تقدمت به اللجنة الفرعيّة وأقرّته اللجان المشتركة، شامل ويتوافق مع المعايير الدوليّة الأساسيّة. تمّ تصميم الصندوق بحيث يتناسب مع السياق والواقع اللبناني الفريد من نوعه، وهو يُحقق توازناً دقيقاً بين إعادة التوزيع والرسملة، ويُبسِّط إدارة الصندوق واستثماره، مما يضمن استدامة فوائده".
وقال:"في الواقع، يستحدث القانون باعتباره جانبًا رئيسيًّا من جوانب الإصلاح، هيكلًا إداريًا جديدًا تمامًا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. سيُستبدل مجلس الإدارة الحالي بمجلس أصغر يتكوَّن من عشرة أعضاء، أربعة يمثلون العمّال، وأربعة يمثلون أصحاب العمل واثنان يُمثلان الحكومة. والجدير بالذكر أنّه سيشترط أن يكون ستة من الأعضاء خبراء اختصاصيين في مسائل الحماية الاجتماعية. وستتولى الإشراف على الصناديق لجنة استثمار مستقلّة تتألف من خبراء اختصاصيين، إلى جانب ذراع استثمارية متخصصة. وستُناط بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مهمّة إنشاء نظام للدفع الإلكتروني للاشتراكات والإعانات، ومنصة رقميّة تسمح للعمّال وأصحاب العمل بالوصول إلى المعلومات المتعلقة بحقوقهم في الضمان الاجتماعي".
وبحسب كبير اختصاصيي الحماية الاجتماعية الذي قاد المشاركة الفنيّة في المشروع من المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية في بيروت لوكا بيليرانو فإن النظام الجديد سيعمل على تحسين رفاهية اللبنانيين الذين يبلغون سن التقاعد وتعزيز التضامن الاجتماعي وهو أمرٌ مهم للغاية للبنان في هذه الأيام، ليس فقط للحد من نقاط الضعف الاجتماعي، ولكن أيضًا لضمان حسن سير نظام الضمان الاجتماعي بأكمله. وينبغي أن يُشجِّع القانون الجديد أصحاب العمل على الإعلان عن الرواتب الكاملة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي ستستفيد منه بدورها فروع النظام الأخرى - وأهمها فرع التأمين الصحي".
ولفت البيان إلى أن "جميع الشركاء الاجتماعيين أشادوا بالإصلاح سيّما الذين شاركوا مشاركةً فاعلةً في سلسلة من الحوارات الاجتماعية على مدى الأعوام الماضية، وتوصَّلوا في نهاية المطاف إلى توافقٍ في الآراء بشأن النتيجة النهائية للإصلاح". واعتبر رئيس الاتحاد العمّالي العام بشارة الأسمر، في تصريحاته، أن "هذا القانون يشكل منعطفًا أساسيًّا يصب في مصلحة المؤمَّن عليهم، ويُمثِّل ضمانة لاستمرارية الراتب بعد التقاعد". وشددّ الأسمر على ضرورة الإسراع في التنفيذ، منوِّهًا بوجوب إصدار المراسيم التنفيذية اللازمة لإيجاد الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي للعمال الذين ظلوا محرومين منه مدّة أكثر من عقدين، وهو واقع تفاقم بسبب الأزمة الخانقة والقمع وتآكل قيمة التعويضات والمدخرات والودائع."
من ناحيةٍ أخرى، رحَّبت جمعيّة الصناعيين اللبنانيين، على لسان رئيسها سليم الزعني بهذا الإصلاح ووصفته “بالخطوة المباركة التي تمخّضت عن كفاحٍ طويلٍ وتعاونٍ وثيقٍ بين القطاع الخاص، والاتحاد العمالي العام، والدولة اللبنانية، بدعمٍ ثابتٍ من منظمة العمل الدولية، التي عملت بلا كللٍ وبذلت جهودًا جبّارةً في سبيل تطوير المعايير الأساسية لهذا القانون وساهمت في نجاحه".
يُمثِّل الإصلاح عنصرًا حاسمًا في استراتيجية الحماية الاجتماعية الوطنية الأوسع نطاقًا التي اعتمدها مجلس الوزراء أخيرا، بدعمٍ ماليٍّ من الاتحاد الأوروبي. ستُحوِّل منظمة العمل الدولية الآن تركيزها نحو دعم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والشركاء الاجتماعيين لتنفيذ المشروع بنجاح وفي الوقت المناسب - وهو التحدي الكبير التالي في هذا المسعى".