نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريراً تحدثت فيه عن التحديات الإنسانية العالمية المستمرة، والنزاعات التي قد تتفاقم في عدة دول خلال سنة 2024.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن سنة 2023 كانت سنة قاتمة، فقد وصل الهجوم المضاد الطاحن في أوكرانيا ضد الغزو الروسي إلى طريق مسدود. وفي الشرق الأوسط، تفجر الصراع المستمر منذ عقود من الزمن ليتحول إلى حرب غير مسبوقة وعالية الحدة في قطاع غزة.
وأوضحت أن سكان غزة غادروا منازلهم، فيما استُشهد حوالى 20 ألف فلسطيني في غضون أسابيع، وأضافت: "كذلك، يعاني ربع سكان غزة من الجوع، وذلك بحسب الأمم المتحدة، التي حذرت من أن خطر المجاعة في المنطقة يتزايد كل يوم".
ونقلت الصحيفة عن عارف حسين، كبير الخبراء الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قوله إنّ "الأمر يزداد سوءاً، ولم يسبق لي أن رأيت شيئا بهذا الحجم في غزة وبهذه السرعة".
وبينما استحوذت هاتان الحربان على اهتمام وسائل الإعلام العالمية الكبرى طوال سنة 2023، فقد استمرت أزمات أخرى في الانبثاق. ففي السودان وميانمار، تسببت الحروب الأهلية المدمرة التي اتسمت بعدد لا يحصى من الفظائع وجرائم الحرب في انهيار الدول المختلة بالفعل وإثارة أزمات إنسانية متصاعدة.
وفي منطقة واسعة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عصفت الانقلابات بالمنطقة، وأدى انعدام الاستقرار الاجتماعي والضغوط الاقتصادية في مرحلة ما بعد الوباء إلى زيادة موجات الهجرة في جميع أنحاء العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه السنة من المحتمل أن تكون الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث تجتاح موجات الحر كل القارات، مصحوبة بأحداث مناخية متطرفة أخرى.
وكانت حالات الجفاف والفيضانات أكثر حدة - ويمكن القول إن اللحظة الأكثر إثارة للصدمة جاءت في أيلول، عندما أدت الأمطار الغزيرة إلى انهيار السدود والفيضانات المفاجئة التي أودت بحياة أكثر من 11 ألف شخص في شمال شرق ليبيا.
وذكرت الصحيفة أن هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تسوء في سنة 2024، والعديد من الأزمات التي ستزداد سوءًا، فالحرب في غزة تصل إلى نقطة تحول خطيرة. وفي حين تعهد المسؤولون الإسرائيليون بحملة عسكرية طويلة، فإن القتال الحالي يدفع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى حافة الهاوية.
وأصبحت غزة المكان الأكثر دموية في العالم بالنسبة للمدنيين. فقبل السابع من تشرين الأول، كان 80% من سكان غزة بحاجة إلى مساعدات إنسانية. أما اليوم، فقد أصبح الجميع الآن يحتاجون إليها، ولا يكاد يكون هناك قدر ضئيل مما هو مطلوب للوصول إلى المنطقة المحاصرة.
وتدعو منظمات الإغاثة وعدد لا يحصى من زعماء العالم إلى وقف إطلاق النار وزيادة مساعدات الإغاثة إلى غزة. ولكن في غياب وقف الأعمال العدائية، فإن الحرب قد تهز المنطقة، وتجذب الفصائل المناهضة لإسرائيل المتمركزة في لبنان وسوريا، وتؤدي إلى تدفق غير مسبوق من اللاجئين الفلسطينيين إلى مصر.
وبحسب الصحيفة، فقد صنفت لجنة الإنقاذ الدولية الصراع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره ثاني أكثر الأزمات الصارخة التي يجب مراقبتها خلال سنة 2024.
كذلك، تعتبر الحرب الأهلية في السودان الأسوأ من نوعها لكن لم يتم مناقشتها بشكل كبير، حيث أدت ثمانية أشهر من القتال بين الجيش في البلاد وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى ترك أكثر من نصف البلاد في حاجة إلى مساعدات إنسانية وتشريد حوالي 6 ملايين شخص. وهناك حوالي 19 مليون طفل بدون تعليم، حيث أدى الصراع إلى إغلاق آلاف المدارس.
وقال محمد أحمد الشافعي من لجنة الإنقاذ الدولية إن "السودان أصبح أكبر أزمة نزوح في العالم، والقدرة على إيصال المساعدات يعوقها عدم وصول المساعدات الإنسانية والأموال، كما أن الاستقطاب العرقي والقبلي والإقليمي للحرب الحالية يهدد بشكل أكبر إمكانية الوصول المحدودة المتاحة حاليًا".
وتعد أفريقيا موطنًا للجزء الأكبر من النقاط الساخنة المحتملة الأخرى، بحسب لجنة الإنقاذ الدولية. وفعلياً، تندرج 3 دول من "حزام الانقلابات" في غرب أفريقيا - الدول التي يقودها المجلس العسكري في بوركينا فاسو ومالي والنيجر - جميعها في التصنيف.
ويتخبط جيش بوركينا فاسو في مواجهة تصاعد التشدد الإسلامي، حيث تسيطر الفصائل المتمردة على أكثر من نصف البلاد. وفي مالي والنيجر، حيث تظهر ديناميكيات مماثلة، يؤدي تزايد انعدام الأمن الغذائي وقلة المساعدات الخارجية إلى دفع الملايين نحو خطر أكبر.
ونبّهت الصحيفة إلى أنه خلف حالة انعدام الاستقرار السياسي التي تستهلك هذه المجتمعات يكمن شبح ارتفاع درجة حرارة الكوكب، حيث تؤثر موجات الجفاف وغيرها من الصدمات المناخية على بعض المجتمعات الأكثر ضعفا في العالم.
ونجحت إدارة بايدن في حشد الدعم الغربي لمقاومة أوكرانيا للعدوان الروسي. لكن نطاق عملها سيكون مقيداً في عام انتخابي مثير للانقسام، كما أصبحت قدرة واشنطن على تمويل كييف موضع شك، ناهيك عن قدرتها على إرسال أسلحتها إلى مناطق أزمات لا تعد ولا تحصى، بدءا من الصومال وصولا إلى أفغانستان وهايتي التي تهيمن عليها العصابات، والتي تتأرجح على حافة الانهيار.
وفي آسيا، قد تتسم الانتخابات في تايوان باستفزازات جديدة من الصين في وقت تحاول فيه إدارة بايدن إرساء بعض الاستقرار في علاقتها مع بكين. لكن الصراع الأكبر يمكن أن يحدث في ميانمار، حيث يعاني المجلس العسكري الحاكم من الهجوم الذي شنه تحالف من الجماعات المسلحة المتمردة.
إلا أنه وعلى حد تعبير مورغان مايكلز، وهو زميل باحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن المسار الحالي "لا يشير إلى انهيار النظام على المدى القريب في ساحة المعركة، في ظل غياب التطورات غير المتوقعة"، مضيفا أن "ميانمار تتجه نحو مرحلة جديدة من الصراع، تتسم بنظام ضعيف ولكنه لا يزال خطيرًا، إلى جانب المزيد من العنف وانعدام اليقين. (عربي21)