يحبس العالم أنفاسه بانتظار التطورات في منطقة البحر الأحمر، لمعرفة المسار الذي ستتجه إليه، حيث الأمور تتدهور بشكل دراماتيكي في ظل الرفع من حدة الصراع بين الدول الغربية من جهة والحوثيين الذين يعملون يوماً بعد يوم على التضييق على سفن الملاحة، خصوصاً وان هذا المعبر يعتبر استراتيجياً للملاحة البحرية وعملية تصدير البضائع.
وعند كل أزمة يتلقى لبنان التداعيات ويعمل ما أمكن للتخفيف من الآثار السلبية على اقتصاده المنهك.
ولعل أولى تباشير الأزمة الحاصلة في البحر الأحمر هي بدء ارتفاع أسعار المحروقات وان بشكل طفيف، ما يشكّل جرس انذار لبداية الارتفاع في الاسابيع المقبلة، لجهة ما سيترتب عن هذا الأمر من ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية. فهل نحن أمام موعد لأزمة جديدة في لبنان؟
سؤال حملناه الى المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة والحوكمة كريستينا أبي حيدر، التي وصفت ما يجري في البحر الأحمر بالمضبوط حتى الساعة، على الرغم من ان عملية الملاحة في هذه المنطقة باتت أطول وأصعب ما يؤدي الى زيادة التكاليف.
وحذّرت ابي حيدر في حديث عبر "لبنان 24" من ان الشهرين المقبلين،شباط وآذار، قد يشهدان ارتفاعاً في أسعار المحروقات والنفط بشكل كبير نظراً لارتفاع الطلب على هذه المادة الحيوية، وقلّة العرض، مشيرةً الى ان الطلب الصيني المتزايد على النفط العالمي، سيؤدي حتماً الى ارتفاع في أسعار المحروقات، ومشددةً على ان ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع سريع ومباشر لكل أسعار السلع، كونه عاملاً حيوياً ومؤثراً في الأسواق، وعندها سيكون لبنان، وفي توقيت قريب جداً، في مقدمة الدول التي ستواجه تحدّيات عدة على صعيد الغلاء المرتقب والكلفة المتزايدة لأسعار المحروقات.
واذ اعتبرت ان ارتفاع الأسعار في لبنان لا يزال ضمن اطار "المقبول"، لفتت الى ان تأثير الازمة الاقتصادية الصعبة على البلاد، يؤدي الى الانتباه الى حجم الغلاء في الاسعار، متوقعةً ان تدخل البلاد فعلياً في ازمة في الشهرين المقبلين، اذا ما وصلت الأمور عالمياً الى هذا الارتفاع المتوقع، خصوصاً وان لا قدرة للبنان على تخزين كميات كبيرة من المحروقات، وعدم وجود مصافٍ للنفط، إضافةً إلى واقع الإنهيار الإقتصادي، ولذلك، فإن أي ارتفاع بأسعار النفط والسلع المتعددة عالمياً، سنلحظه سريعاً في لبنان من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالبنزين والمازوت والغاز والخبز والمواد الأولية في الصناعات كافةً.
وانطلاقاً من كلام أبي حيدر، يتوقع مصدر مسؤول في قطاع النفط، أن تشهد الأسابيع المقبلة ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار المحروقات، تزامناً مع الارتفاعات الكبيرة في العالم، مطمئناً الى عدم انقطاع المادة من الاسواق، الا اذا ما اتجهت الأمور الى تطور دراماتيكي في البحر.
وفي حديث صحافي اليوم قال المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابي حيدر :"الشركات منذ بداية الاحداث استوردت كميات تكفي 3 اشهر. ولكن حالياً تتهيأ هذه الشركات للاستيراد لتغطية حاجة السوق في شهر رمضان القادم، وهذا يعني أن تعرفة التأمين والنقل أعلى»، مشدداً على أن «مهمتنا في الوزارة حالياً هي مراقبة المستوردين قبل مراقبة نقاط البيع، وحين نلمس ارتفاعاً للأسعار أكثر من 7 بالمئة (وهي الزيادة التي طرأت على كلفة النقل والتأمين) ستتخذ بحق المستوردين كل الاجراءات القانونية. لكن الى اليوم لا انقطاع لأي سلعة ولا ارتفاع للأسعار بسبب الازمة الحاصلة في باب المندب».
اما رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي فاكد «حصول ارتفاع في الاسعار بسبب ارتفاع كلفة الشحن التي ضاعفت اسعارها، وقد صرّح سابقاً أن الارتفاع قد يكون بين 5 و 15 بالمئة بحسب نوع البضاعة، وكل شركات الشحن رفعت كلفة النقل بين 100 و 150 بالمئة وسيكون هناك ارتفاع ايضاً في اسعار التأمين».
وقال رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج براكس فقال:"هناك عدداً كبيراً من البواخر التي تنقل النفط يومياً تمر من باب المندب (75 باخرة). في الوقت الحاضر، بما أنه ليس هناك اشتباك مباشر، والحوثيون لا يستهدفون الا البواخر التموجهة الى اسرائيل، فهناك جزء من البواخر لا يزال يعبر باب المندب وجزء آخر يفضل سلوك طريق القرن الافريقي للوصول الى البحر المتوسط (اي اجتياز 3700 ميل بحري اضافي)». ويجزم بأن «هذا له انعكاساته السلبية على اسعار التأمين (في لبنان زادت على طن المحروقات 7 دولارات) وارتفاع اسعار النقل بسبب طول المدة والمصاريف الاخرى، وهذا ما اثر على اسعار السلع في كل الدول العالم وخاصة في أوروبا، وسيساهم في زيادة التضخم العالمي واسعار السلع الاستهلاكية في هذه البلدان وفي تراجع القدرة الشرائية».
اذاً، تشخص الأنظار الى البحر الأحمر وما قد يحمله من تطورات قد تؤدي الى العديد من المشاكل عالمياً والتي سيدفع لبنان حتماً ثمنها من اقتصاده المتصدع، وتترجم انهياراً مستداماً.