منذ عملية "طوفان الأقصى" وبدء إسرائيل بحرب إبادة لفلسطينيي قطاع غزة تمهيدًا لتهجيرهم منه بعدما أصبح أرضًا محروقة من المستحيل أن يعيش فيها الانسان، لا يزال العالم يعيش حالًا من الترقب عمّا سيكون عليه الموقف النهائي لطهران مما يتعرّض له القطاع من مجازر يومية، وكيف يمكنها أن تستثمر ما راكمته على مدى سنوات طويلة من أسلحة صاروخية متطورة في ترسانة "حزب الله"، الذي بدأ منذ أسبوع تقريبًا تغيير استراتيجيته القتالية على طول الخطّ الأزرق، وذلك بإدخاله إلى ساحة القتال أنواعًا جديدة من الصواريخ، التي لم يسبق له أن استخدمها، والتي تُعرف بمدى دقتها في إصابة الأهداف المباشرة. وهذا ما اعترفت به إسرائيل، التي هالها ما تحقّقه "المقاومة الإسلامية" من أهداف ثابتة ومتحركة.
والسؤال الذي طرحه أكثر من مراقب دولي عندما اغتالت إسرائيل خمسة من القادة الإيرانيين العاملين في سوريا في غارة استهدفت منطقة المزة في دمشق: هل ستردّ طهران على هذا العدوان في المكان والزمان المناسبين بما يتناسب وحجم الخسارة، التي لحقت بها، وكيف سترّد وبأي طريقة؟
الخبراء الاستراتيجيون يؤكدون أن قرار طهران بخوض أي حرب شاملة وواسعة لم يُتخذ بعد، وهي تحاول إبعاد هذه الكأس عنها بالمباشر قدر الإمكان، ولكنها لا تألو جهدًا بالتوازي عن تحريك وكلائها في المنطقة على امتداد الجبهة العربية من اليمن حتى غزة، مستفيدة مما أحدثته من وقائع جديدة لدى الحوثيين و"حزب الله" و"الحشد الشعبي" في العراق وحركة "حماس" في فلسطين. فحربها مع إسرائيل لن تكون بالمباشر، ولو أرادت خوضها بالفعل لكانت فعلت منذ اليوم الأول، الذي تلى عملية "طوفان الأقصى"، تمامًا كما فعل "حزب الله"، وكما يفعل الحوثيون، الذين عطّلوا الملاحة التجارية العالمية في البحر الأحمر، وكما يفعل المجاهدون في العراق وسوريا ضد القواعد الأميركية.
ومع أن "حزب الله" الذي أدخل الجنوب في حرب لا تزال مفاعيلها محدودة على المستوى اللبناني العام لا يزال في موقع لا يسمح له بالانجرار في حرب شاملة تريدها إسرائيل اليوم قبل الغد، وذلك لأسباب كثيرة، ومن بينها وضعية نتنياهو المهتزّة داخليًا، والمأزومة خارجيًا بعد تنامي الحركات العالمية المناهضة لحربه ضد غزة وأهاليها.
وانطلاقًا من معادلة أن قرار السلم في أيدي اللبنانيين بينما قرار الحرب هو بيد إسرائيل وحدها فإن انتقال "حزب الله" إلى مرحلة خوض حرب "كسر عظم" مع إسرائيل تبدو ظروفها الدولية والإقليمية والمحلية اللبنانية غير مؤهلة وغير ملائمة، وذلك نظرًا إلى ما يمكن أن يستتبع ذلك من انعكاسات خطيرة قد تقلب وضعية موازين القوى الحالية رأسًا على عقب، مع ما يشهده الداخل اللبناني من حركة اعتراضية على أي عمل قد يقدم عليه "حزب الله" من دون أخذه في الحسبان ما يمكن أن تكون عليه نتائج أي خطوة غير مدروسة وغير محسوبة ردود الفعل عليها.
المقرّبون من "حارة حريك" يؤكدون أن أي عمل يقوم به "حزب الله" في الجنوب يبقى هدفه الأول والأخير مساندة أهل غزة ومحاولة التخفيف مما يتعرّض له القطاع من ضغط عسكري، وهو ليس في وارد السماح لإسرائيل بجرّه إلى حرب شاملة وواسعة، وأن التعامل مع استفزازات تل أبيب اليومية يتمّ بما يتناسب مع الهدف الرئيسي، الذي على أساسه دخل في حرب "الردّ على الردّ"، من ضمن معادلة "قذيفة مقابل قذيفة" و"عملية مقابل عدوان" و"استهداف مدنيين ردّا على استهداف مدنيين لبنانيين". أمّا أن يكون لإسرائيل غايات وأهداف مغايرة لما هو واقع الحال فإن لا أحد يشكّ في ما تسعى إليه، سواء في قطاع غزة ولاحقًا في الضفة الغربية أو في لبنان، وهي لم تكن في السابق بحاجة إلى أي ذريعة لاعتداءاتها المتكررة، ولن تلجأ اليوم إليها.
وعلى وقع قرع طبول الحرب، وقد تكون ثالثة عالميًا هذه المرّة، انطلاقًا من الجنوب وليس من أي مكان آخر، فإن الحاجة اليوم إلى انتخاب رئيس للجمهورية هو أكثر من ضروري على خلفية ما يمكن أن تطرحه "اللجنة الخماسية" من حلول وسطية.