على وقع التطورات المتسارعة في المنطقة، حيث لا يزال الحديث عن "هدنة إنسانية" متقدّمًا، ولو بقي بلا ترجمة عمليّة حتى الساعة، وفي لبنان، حيث نجحت "الخماسية" في تحريك الملف الرئاسي من جديد، من دون أن تحجب علامات الاستفهام عن "سريان" هدنة غزة المحتملة على جنوب لبنان، تبقى الأنظار "مشدودة" صوب محطّة الرابع عشر من شباط، وما إذا كانت ستشهد على "عودة" الرئيس سعد الحريري عن قرار "تعليق" العمل السياسي.
كثيرة هي المفارقات والمؤشّرات التي يتوقّف عندها المتابعون، من شعار "تعو ننزل ليرجع" المعبّر الذي التصق بالمناسبة، إلى تصريحات القياديّين المحسوبين على تيار "المستقبل"، من نواب سابقين ومسؤولين لطالما عُرفوا بقربهم من "الشيخ سعد" في مراحل سابقة، ولو أنّ العارفين يميلون إلى الاعتقاد بأنّ أغلب ما يُحكى يندرج في خانة "الأمنيات"، لا "المعطيات"، وأنّ الحريري لا علاقة له بكلّ التحليلات والاستنتاجات المتداولة.
لكن، بين سيناريوهات "عودة الحريري" التي أصبحت في غضون أيام "مادة دسمة" لكثيرين، ثمّة من يسأل عن رأي مختلف الأفرقاء، والذين صدرت عن بعضهم مواقف لافتة ومعبّرة في الأسابيع القليلة الماضية، يمكن البناء عليها، فهل "يتعطّش" هؤلاء لعودة الحريري، كجمهوره الذي يقول إنّ البلاد بحاجة إلى عودته في هذه المرحلة؟ من هل بين هؤلاء من يفضّل في المقابل، بقاء الحريري في "غربته"، أقلّه في المرحلة الحاليّة؟!
الحلفاء والخصوم
قبل الدخول في مواقف الكتل الأساسية من عودة الحريري، ثمّة "معادلة" يتوقّف عندها البعض تتعلق بـ"تصنيف" الحلفاء والخصوم، وهو الذي يرى كثيرون أنّه أضحى "عملية معقّدة" بعد سنتين من الغياب عن المشهد السياسي، اختلطت معهما الكثير من الأوراق، وتقلّبت التحالفات بشكل أو بآخر، ما يعني أنّ أيّ عودة ممكنة للحريري في هذا الظرف قد تستند إلى "قواعد لعبة" جديدة، تتناسب مع المتغيّرات التي جرت في لبنان والمنطقة.
في إطار هذا التصنيف "المعقّد"، يشير البعض إلى العلاقة "المعقّدة" خصوصًا مع "القوات اللبنانية"، التي كانت قد ارتبطت بـ"تحالف" مع تيار "المستقبل" في مرحلة ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وخصوصًا في زمن ما كان يُعرَف بـ"14 آذار"، قبل أن تتوتّر في الأشهر الأخيرة، ما يدفع إلى التساؤل عن "تموضع" الحريري اليوم من "القوات اللبنانية" فيما لو عاد إلى ممارسة العمل السياسي بمعناه الكامل.
يسري الأمر نفسه على العلاقة مع سائر القوى، من "التيار الوطني الحر" الذي لم يكن الحريري على "وفاق" معه بعد حراك 17 تشرين، إلى "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي انتقد قبل فترة شعار الحريري المحبّب، "لبنان أولاً"، مرورًا بـ"حزب الله" الذي يرى كثيرون أنّ "فضّ الاشتباك" الذي اعتمده الحريري معه كان من أسباب مشاكله، إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لطالما حافظ على "العلاقة الشخصية" معه.
من يريد عودة الحريري؟
على الأرض، قد يكون لافِتًا أنّ معظم القوى السياسية تبدي "ترحيبًا" بعودة الحريري، بل "تحثّه" على مثل هذه العودة، بمعزل عن موقفها منه سابقًا أو لاحقًا، والشواهد على ذلك كثيرة، من النائب آلان عون الذي توجّه إليه من داخل مجلس النواب قبل أيام بعبارة "اشتقنا لك"، إلى الرئيس نبيه بري الذي رحّب بعودته "عندما يقرّر"، مشدّدًا على أنّ الانتخابات الأخيرة أثبتت أنّه "الناجح الأكبر على الرغم من اعتكافه".
ومع أنّ لا مواقف واضحة بهذا المعنى لمعظم الأفرقاء، يقول العارفون إنّ الجميع من دون استثناء "يرحّبون" بعودة الحريري في العلن، انطلاقًا من الحيثيّة التي لا يزال يمثّلها إلى حدّ بعيد، والدور الذي يمكن أن يلعبه في ظلّ الأزمات المتفاقمة، خصوصًا على الساحة السنّية، التي زادت الانتخابات النيابية الأخيرة في "تشتّتها"...
لكن، مع ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ مثل هذا الموقف يفتقد "الإجماع"، فهناك من يطرح علامات استفهام حول "الشكل" الذي يمكن أن يخرج به "الحريري الجديد" إن جاز التعبير، إن عاد اليوم إلى الساحة، والمقوّمات التي ستجعل من هذه العودة مختلفة عن النهج السابق، والذي أدّى إلى انكفائه واعتكافه في نهاية المطاف، علمًا أنّ هناك من يعتقد أن غياب السنتين قد أفقد الحريري الكثير، وهو بالتالي سيحتاج إلى العودة من نقطة الصفر.
تثير "سيناريوهات" عودة الحريري الكثير من علامات الاستفهام حول المقوّمات والظروف والشكل، أو ربما "النيو لوك" الذي سيعود به، وفق تعبير بعض المتابعين. لكنّ العارفين يعتقدون أنّ كلّ ما يُحكى عن هذه العودة اليوم قد لا يكون أكثر من "جسّ نبض" بانتظار لحظة العودة المناسبة، وهي لحظة يربطها كثيرون بـ"تسوية كبرى" على مستوى المنطقة، قد لا تكون بعيدة، بعكس ما يعتقد كثيرون!