على رغم الرماد السياسي المقصود منه ذرّه في العيون وتغطية فشل عدم انتخاب رئيس للجمهورية بفشل آخر، فإن الحكومة ستقوم بواجبها في بحث مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف بقلب مفتوح ويد ممدودة لكل الملاحظات الإيجابية التي قد تُقدم إليها، على أن يبقى الهدف الأول والأخير مصلحة المودعين وألا يكون أي حلّ على حسابهم ومن حسابهم.
فليس أسهل على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء، الذين يحضرون جلسات مجلس الوزراء ويتابعون شؤون وزارتهم من أن يعتكفوا. ما الذي يجبرهم على القيام بما يقومون به من تصريف لأعمال الدولة وتسيير شؤون الناس حتى بفلس الأرملة؟ ما الذي يدعوهم إلى تحمّل المسؤولية في الوقت الذي لا يوفّر من منازلهم من زجاج أي فرصة إلا ويرشقونهم بحجارة، أو يصوبون عليهم سهامهم السامة؟ وما الذي يدعوهم إلى تحمّل كل هذا الحقد ، وهذا التحامل غير المبرر؟
ونسأل مع السائلين: إذا قرّر الرئيس ميقاتي، ومعه وزراؤه، في يوم من الأيام، أن يكتفوا بما يطالبهم به كثيرون، أو أن يجلسوا، كما غيرهم على كراسٍ مريحة ويضعون رجلًا على رجل، ويكتّفون أيديهم، ويكتفون بمراقبة ما يجري من حولهم، أو الانضمام إلى جوقة الندب، فمن يهتم بشؤون الناس من بعدهم، ومن يصرّف أعمال الحكومة، ومن يضع أصبعه على الجرح اللبناني النازف؟
تصّوروا ما سيكون عليه الوضع من كل جوانبه لو فعل الوزراء ما يفعله غيرهم الذين لا يقومون بأقل مما هو مطلوب منهم. فلو قام هؤلاء بواجبهم الوطني والدستوري، أي انتخاب رئيس للجمهورية، لكانت الأمور بالتأكيد على غير ما هي عليه اليوم، ولما كان رئيس الحكومة والوزراء مضطّرين لأن يقوموا بما يقومون به من مهام من شأنها تسيير شؤون الناس، خصوصًا في هذه الظروف الصعبة والمصيرية. فالعدو يهدّد لبنان في كل لحظة بتحويله إلى غزة ثانية. الأوضاع الاقتصادية الضاغطة لا ترحم. الأضرار في البنى التحتية نتيجة الإهمال المتراكم كثيرة. مطالب الناس الحياتية محقّة وملحّة. الوضع الاجتماعي في ظل هذا العدد غير المقبول للنازحين السوريين لم يعد يُطاق.
فهذه الحكومة التي تجد نفسها وحيدة في معركة لا تملك فيها ما يكفي من الذخيرة لكي تحارب فيها بـ "اللحم الحيّ" على كل الجبهات غير قادرة على تلبية ما يحتاج إليه كل مواطن لكي تكون معيشته مقبولة نسبيًا في بلد لا تتوافر فيه مقومات العيش بأبسط ما فيها من معطيات. ومع هذا كله، ومع كل ما تتحمّله من اتهامات ومن شتائم، فإنها تعمل من ضمن الإمكانات المتوافرة بهدف التقليل من أضرار كل ما يتعرّض له المواطن في حياته اليومية من مصائب وويلات وكوارث.
فلو اكتفى هؤلاء الوزراء بألا يفعلوا شيئًا تمامًا كما يفعل الآخرون، ويكتفوا بتوجيه الانتقادات والاتهامات، فمن يسيّر شؤون الناس، ومن يسعى لتجنيب لبنان تجرّع كأس الحرب الزاحفة عليه كـ "الهواء الأصفر". صحيح أن ما تقوم به الحكومة هو أقّل الواجب، ولكن هذا القليل في غياب الكثير يبقى أفضل بكثير من لا شيء. ومن يضيء شمعة في الظلام أفضل من الذي يلعن الظلام ولا يعرف قيمة الضوء.
فإذا عملت الحكومة تُنتقد، وإذا لم تعمل تُنتقد أيضًا. هذه هي حالها مع أناس يرفضون أن يتحمّلوا مسؤوليتهم الأساسية، وهي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا واجب، ومن لا يقوم بواجبه يجب أن يُحاسب. انتخبوا رئيسًا و"حلوا عن سما" هذه الحكومة، التي تحمّلت هي ورئيسها ما لا يُحتمل، وهي على رغم كل ما تتعرّض له من تجنٍّ لا تزال "تباطح"، وهي من "الموجود تجود"، لأنها متيقنة بأن الأمور ستؤول في نهاية المطاف إلى ما هو أفضل، وأن "غيمة الصيف" ستنقشع، وأن النهار لا بدّ طالع بعد ليل مدلهم.