من غير المستغرب أو المستبعد أن تنعكس "هدنة رمضان" في غزة على مسار المعارك الدائرة في الجنوب بين جيش العدو وعناصر "حزب الله"، وذلك بفعل ربط الساحتين بمسار واحد وبمصير مشترك. وهذا ما أكده الأمين العام لـ "الحزب" السيد حسن نصرالله أكثر مرة، حين ربط ما يجري على الساحة الجنوبية بما يجري في "القطاع". ولأن الأمر مربوط بالتطورات الميدانية، فإن الجنوب سيشهد بدوره هدنة موازية لـ "هدنة رمضان" الغزاوية. مما يعني أن أهل الجنوب الصامدين منهم في بيوتهم المعرّضة في كل لحظة للقصف، أو أولئك المهجرين قسرًا عن أرزاقهم، سيشهدون فترة هدوء يُعتقد أنها لن تكون طويلة، وقد تنتهي مع انقضاء شهر رمضان المبارك، على أن يعودوا إلى دوامة "الحرب العبثية" على حدّ التعبير الذي اقتبسه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي عن بعض من أهالي الجنوب، الذين يرفضون أن يكونوا وقودًا لحرب ليس لهم فيها "لا ناقة ولا جمل".
وكما يقول الرئيس نبيه بري عن "الفول والمكيول" فإن الأنظار مشدودة نحو النتائج التي ستفضي إليها المفاوضات القائمة على خط باريس – القاهرة – الدوحة بين الحكومة الإسرائيلية وحركة "حماس" في ظل ترقّب داخلي لقرار وقف إطلاق النار في غزة، الذي سينعكس حتمًا تهدئة موازية على الجبهة الجنوبية في ظل تصاعد وتيرة العمليات العسكرية بين "حزب الله" وقوات الاحتلال.
وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما تطرق إلى أن هناك حديثاً جدياً قد يكون مطلع الأسبوع المقبل عن وقف العمليات العسكرية في غزة يسمّى "تفاهم رمضان"، وأكد أن وقف القتال في غزة سيطلق المحادثات بالنسبة إلى التهدئة في لبنان.
ولكن في المقابل فإن إسرائيل التي استباح جنودها بالأمس تجمعًا لمدنيين فلسطينيين كانوا ينتظرون المساعدات الغذائية فسقط من بينهم الكثير من القتلى والجرحى لا يمكن الركون إلى ما يمكن أن تقدم عليه من "مغامرات" عسكرية، سواء في رفح أو في جنوب لبنان قبل الموافقة على هدنة مشروطة. وهذا ما عكسته مخاوف بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية، الذين أعربوا عن خشيتهم من تدهور الوضع في الجنوب وانعكاسه بالتالي على الاستقرار في المنطقة. ولهذا فإن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين سيزور المنطقة قريبًا لضمان عدم إقدام إسرائيل على ما يمكن توقّعه، وذلك استنادًا إلى التجارب السابقة، وإقناع "حزب الله" بالالتزام بموجبات "اتفاق رمضان"، مع ما يواكب هذا الواقع من توقعات متشائمة على غرار تلك التي ساقتها أوساط إعلامية وديبلوماسية أميركية في الساعات الأخيرة عن احتمال قيام إسرائيل بغزو بري للبنان في الربيع، بالتوازي مع التهديدات التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو قائلا "سنضرب "حزب الله" ونقضي على مسؤوليه في جنوب لبنان".
ما نُقل عن مسؤولين في "حزب الله" عن الالتزام بـ "هدنة رمضان"، وأن "المقاومة الإسلامية" ستوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية هو واقع لا مفرّ منه، ولكن أعينها ستبقى ساهرة ومترصدة لأي حركة غير اعتيادية قد يقوم بها جيش العدو على حين غفلة، خصوصًا أن ثمة تعليمات واضحة بإبقاء الجهوزية الميدانية في استنفار دائم لمواجهة أي خطر محتمل، وهي تعمل وفق سيناريوهات متعدّدة الخيارات، ومن بينها إعداد الكثير من المفاجآت الميدانية في حال خطر على بال الإسرائيليين التوغّل جنوبًا.
ويبقى السؤال الذي لم يلق اللبنانيون جوابًا شافيًا عنه، وهو يتعلق بمدى انعكاس أي هدوء ممكن على الساحة الجنوبية على الاستحقاق الرئاسي مع معاودة سفراء "اللجنة الرئاسية الخماسية" تحرّكهم التوفيقي بالتوازي مع الحركة التي تقوم بها كتلة "الاعتدال الوطني"، التي ستلتقي رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد يوم الاثنين، مع استبعاد أن ينتج عن هاتين الحركتين ما يقصّر فترة الشغور الرئاسي.