كتب ابراهيم بيرم في" النهار": أعادت حادثة الانفجار الغامض في خراج بلدة رميش الحدودية (قضاء بنت جبيل) والذي دوّى قبل ايام بدورية ل"اليونيفيل"دور هذه القوة حاضراً الى دائرة الضوء المباشر مجدداً، مقروناً بطبيعة الحال بسؤال عن دورها المفترض في اليوم التالي بعد أن تضع المواجهات الضارية منذ نحو ستة اشهر على الحدود اللبنانية الجنوبية أوزارها وتعود المنطقة الى كنف الهدوء.
اندفعت قيادة "اليونيفيل" بعد اقل من 24 ساعة على الحادث الى اطلاق حملة اعلامية - سياسية واسعة بقصد تبديد كل الاجواء التي قُدّر لها ان تسري حول امكان تجميد طويل لمهمات هذه القوة، ولتأكيد أمر آخر فحواه ان هذه القوة لم تضع في حساباتها مسألة اخلاء الميدان والانسحاب من تأدية المهمات المنوطة بها والتي أملت عليها التوافد الى الجنوب قبل 18 عاما.
وعليه ايضا، كان لزاما على المسؤول الاعلامي في قيادة "اليونيفيل" ان يدلي بنحو 12 تصريحا متتاليا خلال وقت قصير ليكشف عن المعطيات الآتية:
ان تجميد دوريات القوة الميدانية هو اجراء روتيني مطلوب اتخاذه في حال وقوع مثل هذا الحادث، ولن يستغرق اكثر من يومين حداً اقصى كمهلة بانتظار نتائج التحقيقات المتصلة لمعرفة المسؤول واستكشاف الابعاد.
وأبعد من ذلك، كان لزاما على قيادة القوة ان تثبت أمرين: الاول ان تدحض كل ما قيل عن ان وجودها كله لم يعد امرا مرغوبا فيه او مفيدا بدليل ان هذه القوة تحصنت في مواقعها وقللت دورياتها بمجرد اشتعال المواجهات، وكل ما فعلته هو اصدار بيانات التحذير من مخاطر التصعيد مقرونة بدعوة الأفرقاء الى ضبط النفس.
وبمعنى آخر، كان على مجلس الامن ان يعيد الاعتبار الى دور هذه القوة الدولية من جهة، ويؤكد انها ليست في وارد التخلي عن هذا الدور وترك الجنوب الذي يعاني منذ اواخر عقد الستينات من القرن الماضي تحت رحمة المزيد من جولات العنف والدمار من جهة اخرى.
وبحسب المعطيات فان قيادة "اليونيفيل" لم تشأ ان تفصح عن نتائج التحقيقات التي اجرتها بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني لجلاء ملابسات الحادث اياه وتحديد المسؤولين، لذا تركت الامر ملتبسا ولم تأخذ بأي من روايتي الطرفين حوله، وان كانت تبنت رسميا رواية ان الحادث نجم عن انفجار لغم ارضي كان مزروعا واسقطت بالتالي نظرية المسيّرة.
وفي كل الاحوال، فان الاوساط المعنية بالشأن الجنوبي ما انفكت مقيمة عند قراءة استشرافية لدور هذه القوة اذا ما أتى حينٌ من الدهر وعاد الاستقرار ليحل مجدداً على المنطقة الحدودية، وهي تقوم على ان لا غنى عن دور هذه القوة وحضورها بقطع النظر عما يمكن ان تؤول اليه المواجهات الحالية من نتائج.
فاذا ما مالت الكفّة لمصلحة تل ابيب، فان لبنان سيجد من مصلحته التمسك بهذه القوة لانه يعرف انه لو خلا الجنوب من وجودها فان اسرائيل ستتصرف كما تصرفت في اتفاقاتها الحدودية مع مصر والاردن، اذ ستطرح شروطا ومواصفات لترتيبات حدودية لن يكون بامكان لبنان تحمّل تبعاتها وتداعياتها.
اما اذا ما انتهت الجولة الحالية الى نوع من التوازن، فانه لا يعود بمقدور اسرائيل التحدث عن تطبيق احادي الطرف للقرار 1701 اذ ان لبنان وبعد التطورات الاخيرة لن يقبل بمنطقة عازلة على جانبه الحدودي، بل سيصرّ على منطقة مماثلة في الجانب الاسرائيلي، خصوصا ان لديه ورقة قوية هي ورقة الخروق الاسرائيلية المدعومة من مجلس الامن نفسه.
اما اذا نجحت واشنطن في جهودها الرامية الى فرض تسوية وترتيبات امنية حدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة وفق "ورقة هوكشتاين"، فان الحاجة الى دور هذه القوية كبيرة اذ ليس من السهولة تصور حل ما أو تسوية معيّنة من دون دور لهذه القوة.