من منا لا يتذكر كتاب الجغرافيا الذي كنا نفتخر بدروسه التي كانت تتكلم عن ثروة لبنان المائية.. تلك الثروة الإستثنائية التي يحاول العدو أن يستأثر بها بأي طريقة كانت.. فهو يعلم مدى أهميتها؛ ليس من اليوم إنما منذ عشرات السنوات، إذ إنّ الكتابات الاسرائيلية الأولى التي ألقت الضوء على ضرورة الإنقضاض على الثروة المائية اللبنانية لا تزال موجودة حتّى يومنا هذا..
ومن معلومات كتب الجغرافيا الوفيرة والغنية، إلى الواقع اللبناني المتهالك.. أكثر من نصف اللبنانيين باتوا يواجهون اليوم خطر عدم الوصول إلى المياه النظيفة، مع تعاظم الأزمات التي ارتدت بشكل واضح على طريقة الوصول إلى هذه المياه. فعلى سبيل المثال، بعض البلديات المنحلة في عدد كبير من المناطق اللبنانية أوقفت ضخ المياه إلى خزانات البلدات، والعدد الأكبر من هذه البلديات أوضحت لـ"
لبنان24" أنّها توقفت أصلاً عن جرّ المياه بسبب انقطاع الكهرباء أولاً، وعدم قدرتها على تأمين المازوت أو الطاقة المناسبة لجرّها.
عدم استقدام المياه من قبلها دفع بالعديد من المواطنين إلى اللجوء إلى الينابيع التي تتواجد عادة في البلدات والضيع، إلا أن تقريرًا لـ"اليونيسف" أوضح فعليًا أنّ الشبكة المائية في لبنان تشكّل خطرًا بمكانٍ ما على صحة المواطنين، إذ إنّ شبكات الإمدادات تتأرجح على حافية الهاوية، مع عدم تمكّن الجهات المختصة من صيانة الامدادات التّي مرّ عليها الزمن، خاصة أن تقارير عديدة صادرة عن جهات غير حكومية حذّرت من خطورة مرور المياه داخل أنابيب متواجدة منذ عشرات السنوات، لم يتم التفكير حتى في تغييرها. وحسب الارقام، ومع استمرار الاعتماد على هذه المصادر فإنّ أكثر من 45% من الشعب اللبناني معرّض لخطر الإصابة بأمراض جلدية وجرثومية إذا لم يتم تغيير ،إما مصدر المياه، أو إصلاح الإمدادات التي تنقلها.
استغلال تجاري
وبدءًا من العاصمة بيروت، التي يعتمد 85% من سكانها بشكل أساسي على المياه المعبأة، التمس الأهالي ارتفاعًا ملحوظًا بأسعار المياه سواء لناحية المياه المُشتراة من المتاجر، أو مياه الخزانات.
فعلى صعيد النوع الأول، أي مياه الشرب والتي تستخدم للطعام، تختلف الأسعار حسب اختلاف "الماركة"، إذ إن غالون 20 ليترًا يبدأُ من 60 ألف ليرة لبنانية، ويتصاعد ليصل إلى 250 ألف ليرة لنفس الكمية. ومن هنا تحذّر مصادر من مصلحة حماية المستهلك تواصل معها "لبنان24" من عدم الإسترخاص والتنبه للمياه التي يتم الحصول عليها، إذ تؤكّد أن المياه الرخيصة قد لا تكون خاصعة لأي رقابة، علمًا أنّ أي شخص بات يستطيع فتح معمل للمياه، إذ إن تكلفته غير مرتفعة.
ويلفت المصدر إلى أنّ المصلحة تمكنت في الأونة الأخيرة بالتعاون مع الجهات المعنية من ضبط العديد من المراكز التي كانت تتهاون وتتساهل مع الشروط الصحية المفروضة من قبل الوزارات المعنية.
وحسب المعلومات، تمكنت القوى الأمنية من ضبط عشرات المعامل التي تدّعي أنّها تعتمد المعايير اللازمة، حيث أشارت الفحوصات إلى كوارث في المعامل التي نبتت فجأة خلال الأزمة التي مرّت بها البلاد.
على مقلب آخر، بدأ المواطنون يشتكون من أسعار ملء خزانات المياه، إذ وصلت تكلفة "نقلة المياه الصغيرة" إلى 10$ في مناطق الأطراف و22$ في مناطق أخرى، ووصل معدل الارتفاع الى 110 مرات في المناطق التي تعاني من تقنين كبير وشحّ بالمياه.
بالتوازي، ارتفعت الأسعار لتسجّل بين 25 و 35$ داخل بيروت، وهذه الأسعار بطبيعة الحال مرشحة للإرتفاع مع قدوم فصل الصيف وانخفاض كميات المياه.
وحسب رصد "لبنان24"، فإنّ العديد من الأشخاص الذين يملكون آبار مياه رفعوا تسعيرة تسليم المياه إلى البائع وذلك بسبب ارتفاع كلفة سحب المياه من الآبار مع تشغيل المولدات التي تعمل على المازوت. بدوره زاد البائع التكلفة مرتين، إذ إنّ أول قسم من الزيادة يعود لارتفاع سعر التكلفة، والقسم الآخر من الزيادة يعود إلى كلفة نقل المياه من مصدرها إلى المنزل، وبطبيعة الحال فإنّ المستهلك هو الذي سيتكلف ويتحمل ثمن هذه الزيادات.
من هنا، فإنّ عملية تأمين المياه خاصة في المدن دفعت بـ 38% من اللبنانيين حسب أرقام اليونيسف إلى ترشيد استهلاكهم، إذ إنّ متوسط حاجة العائلات في لبنان لعائلة تتكون من 5 أفراد تقريبا يصل إلى 22$ موزعة بين مياه مخصصة للاستعمالات المنزلية ومياه للاستخدامات شخصية.