لم يعد الحديث عن تسوية واحدة كافيا من أجل معالجة الأزمة اللبنانية، فمروجو مبدأ التسوية السياسية خلصوا إلى نتيجة تشير إلى الحاجة لتسوية رئاسية وأخرى لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان وتنفيذ القرار 1701. حاول النائب السابق وليد جنيلاط حض المعنيين على السير بهذا المفهوم وتجنب اللف والدوران في حلقة مفرغة، وعاد نجله رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي النائب تيمور جنبلاط ليشدد على هذا الأمر ، وبات الوضع يفرض تسويتين وأكثر، لأن المدخل لأي حل يعبر من خلالهم. إنما هل باتت الظروف مهيأة لذلك، وهل الخشية قائمة من خسارة أي فرصة للتسوية؟ في اغلب الظن لم يتراجع المسؤولون في الحزب الاشتراكي عن خيار التسوية في أي وقت ، على أن الموافقة على الانخراط بها من قبل القوى السياسية والمؤثرة غير قائمة ، فلا قوى المعارضة تؤيد التسوية ولا قوى الممانعة ساعية لذلك، وفي هذه الحالة، صانع التسوية هو فريق خارجي أو المبادر إليها. وحتى الآن، لم تنضج الاجواء لأي طرح يحمل هذا العنوان لاسيما في الملف الرئاسي، في حين أن المطالبة بتسوية ديبلوماسية لتطبيق القرار 1701 ، باءت بالفشل ، وهذا يقود حكما إلى وضع احتمالات عدة يضاف إليها هاجس التصعيد وتوسيع رقعة الحرب ، وهذا ما جاء على لسان مسؤولين في الخارج وانعكس في خطوات بعض الدول لجهة اطلاق تحذيرات لرعاياها من السفر إلى لبنان .
وهنا تستبعد أوساط سياسية مطلعة لـ " لبنان 24" ان يكون هناك تحضير لطرح يتصل بالتسوية في لبنان في هذه الفترة بالذات ، إذ إن الطريق لأنجازها مقفل محليا، ولذلك يتم العمل على أن تقوم فكرة من الخارج ، لاسيما أن مواقف القوى السياسية لا تشي بأن هناك ترحيبا بالتسوية أو حتى القبول بها إلا إذا كانت مناسبة ووفق قواعد محددة ومحكمة بحيث تلزم الأفرقاء في الداخل بها ، والدعوة إلى التسوية لا تعني أنها حاصلة أو أن هناك عملا يجري لها في سياق قرار متخذ، معلنة أن اللجنة الخماسية لم تصل إلى مرحلة السعي لتسوية، انما هذه الفكرة تتطلب تخميرها والتأكد من ملاقاة الجميع لها ، إذ تجاوزت المفهوم السابق وصار طبيعيا أن تتحول إلى مفهوم آخر جديد انطلاقا من توازنات نيابية وسياسية .
وتشير الاوساط إلى أن الحل قد يأخذ صفة قريبة من التسوية في وقت ما، وحتى الآن ما من كلام سوى عن تزخيم للملف الرئاسي قبل الانتقال إلى تهيئة الأرضية لاسيما أن الحوادث التي سجلت مؤخرا وقبل ذلك ملف الجنوب، زادت الشرخ بين القوى السياسية ما جعل العمل على إيجاد مخرج وسطي صعبا للغاية .
وترى الأوساط نفسها أن المرشح الثالث الذي يعمل على التسويق له في إطار النقطة المشتركة قد يصبح في مكان ما مضمونا لهذه التسوية ، انما هذا المرشح لم يتظهر بعد وينتظر إزالة اعتراض قوى الممانعة عليه وتأييد طرحه كي ينتقل الملف إلى خطوة جديدة. وتقول الاوساط إن طريق التسوية محفوفة بالمخاطر والهواجس ولكن متى حان وقتها تبصر النور في غضون أيام .وهنا يصعب توقع سيناريو التسوية وكيف ستخرج وبأي شكل، كما ان دخول ملف النازحين السوريين على الخط من جديد قد يعلق البحث في الملف الرئاسي أو الحراك بشأنه.
اما بالنسبة إلى التسوية المطلوبة في ملف الجنوب، فإن الأوساط تقر بأن المسألة تتصل بالضغط الدولي والإقليمي من أجل التوصل اليها ووضع خارطة طريق بشأن القرار 1701 والعودة إلى اتفاق الهدنة عام 1949، وهذا الأمر غير محسوم، لأن لعبة الميدان هي المتحكمة بهذا الملف، حتى أن المفاوضات بشأن التهدئة على الجبهة الجنوبية تذهب من تعثر إلى آخر .
وفي الخلاصة، لن تشق التسوية طريقها الآن لا في الرئاسة ولا في الجنوب، لكن ما من شيء يحول دون تحديد العناصر المطلوبة لذلك، على أنه ليس معروفا بعد مَنْ يسبق مَنْ ، حتى وإن كان البعض يقول أن التسوية الرئاسية هي الأصعب.