الاّ يحضر السفير السعودي وليد البخاري لقاء "اللجنة الخماسية" برئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان في بنشعي ليس تفصيلًا غير مهم، بل هو موقف يُعبَّر عنه بـ "المقاطعة". كذلك الأمر بالنسبة إلى تغيّب السفيرة الأميركية ليزا جونسون عن لقاء رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في البياضة. وكذلك بالنسبة إلى عدم مشاركة البخاري وجونسون في لقاء حارة حريك. وقد يكون تصريح السفير المصري علاء موسى بعد اللقاء عن أن غياب أي عضو من "اللجنة الخماسية" عن أي لقاء لا يغيّر موقفها فيه الكثير من الديبلوماسية بهدف تجميل الواقع الذي تصطدم به اللجنة خلال جولاتها، وهو واقع ناجم عن أن كل فريق لا يزال يتمسّك بما يراه كل واحد منهم مناسبًا لوضعيته الخاصة بغض النظر عمّا يُفترض أن يكون عليه هذا الوضع لو أن الجميع، وبنسب متفاوتة، يريدون انتخاب رئيس إنقاذي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حقائق تبدو بعيدة كل البعد عمّا يخلص إليه السفراء الخمسة من نتائج تبدو مخيّبة للآمال.
ما يمكن أن يُستنتج مما خلصت إليه "اللجنة الخماسية"، وهي رباعية أحيانًا، أن ثمة شعورًا تكّون لدى هؤلاء السفراء هو أن معظم الأفرقاء اللبنانيين لا يقرأون جيدًا ما يجري في المنطقة من تطورات متسارعة، وهم لا يستوعبون خطورة الا يكون للبنان رئيس في مرحلة مصيرية ومفصلية، وقد يُغيَّب لبنان المتخاصم مع نفسه والمنقسم على نفسه عن أي مفاوضات قد تجري في المستقبل القريب لإعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة، في ضوء ما ستسفر عنه الحرب الدائرة في غزة.
فوجود رئيس على رأس الجمهورية يعني الكثير بالنسبة إلى الدول الخمس المهتمة بالوضع اللبناني، ومن بينها توحيد كلمة اللبنانيين بالنسبة إلى مستقبل بلادهم. وبما أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة لبنان واللبنانيين فإن انتخابه اليوم قبل الغد وفق مواصفات باتت واضحة في أذهان أعضاء "اللجنة الخماسية" هو واجب وطني قبل أي واجب آخر، وأن الاستمرار في اعتماد سياسة المراوحة اعتقادًا بأن ما يجري في المنطقة سيؤول إلى تغليب فريق على آخر، وبالتالي فرض الرئيس الذي تتناسب وضعيته مع هذه الحال المستجدّة، هو نوع من الضرب بالرمال.
ما يخرج به السفراء من استنتاجات بعد كل لقاء مع من يُفترض بهم أن يكونوا أكثر حرصًا على بلادهم من الغرباء لا يطمئن، بل يدعو إلى اليأس والقنوط. فإذا تكّلم هؤلاء السفراء من الشرق يأتيهم الجواب من الغرب. فالاختلاف الظاهر في وجهات النظر بين اللبنانيين لم يعد سرًّا، بل ما لم يستطع أن يفهمه هؤلاء كيف أن من يُفترض بهم أن يكونوا المبادرين في عملية الإنقاذ يلعبون دور المعطّل، إن لم نقل المهدّم لما تبقّى من مقومات وطن ينازع.
فالانطباع السائد هو أن الجميع يدورون في حلقة الوقت الضائع، وأن التحركات على أكثر من صعيد، وإن كانت مطلوبة وضرورية، هي كمن يتحرّك في مكانه، أو كمن يركض في منامه هربًا من شيء مخيف فيبقى في مكانه، ويفيق من هذا الكابوس ليجد نفسه في سرير وثير.
فطالما أن الأفرقاء اللبنانيين منقسمون على أنفسهم وفي ما بينهم في الوقت ذاته فلا بوادر حلحلة رئاسية تبدو قريبة في الأفق المنظور، خصوصًا أن البعض يرى في ما تقوم به "اللجنة الخماسية"، نظريًا، والجهد الذي تبذله كتلة "الاعتدال الوطني" ليس سوى محاولة لقطع الماء بسيف ذي حدّين. فلا الماء يُقطع، ولا استعمال السيف هو في مكانه الصحيح. ويرى البعض أنه طالما أن الوضع في الجنوب هو على ما هو عليه من مناوشات تصل حدودها القصوى إلى تصعيد متقابل يرتفع حينًا ويخبو أحياناً أخرى فإن الوضع العام في البلاد باقٍ على حاله. فلا رئيس جديد للجمهورية، ولا مبادرات جدّية في ما خصّ النزوح السوري، ولا إجراءات فاعلة على مستوى تحسين حياة الناس، ولا قرارات تنفذ للجم التدهور الاقتصادي والاجتماعي، ولا الأمن مضبوط مئة في المئة على رغم ما تقوم به القوى الأمنية، التي تعاني ما تعانيه من ضائقة معيشية.
المشكلة كما يختصرها سياسي معروف عنه طبعه المرح هي أن أعضاء "اللجنة الخماسية" يعرفون أن الذين يلتقون بهم لا يقولون الحقيقة كما هي، ولكنهم يتصرّفون في الوقت ذاته وكأنهم يصدّقونهم.