النقاشات حول رئاسة الجمهورية في لبنان تأخذ في دوائر أميركية معنية منحى مختلفاً عن الكلام اللبناني حول اتجاه رئاسة الجمهورية. وينطلق النقاش للنظر إلى دور رئاسة الجمهورية وتحديد هوية الرئيس المقبل أساساً من سؤال حول مستقبل لبنان وما يُراد له.يصعب تجاوز أمرين في النقاشات التي تصل إلى أوساط لبنانية مطّلعة: موقف القوى الإقليمية والدولية التي تريد تقاسم نفوذها مع واشنطن في إدارة الملف اللبناني، والموقف الأميركي من لبنان قبل حرب غزة وبعدها، ليُفهم على أساسه ماذا يريد الأميركيون من رئاسة الجمهورية.
وكتبت هيام قصيفي في" الاخبار":حتى الآن، لا يزال الملف الرئاسي في واشنطن عبارة عن «مسوّدة أولية» لا أكثر. والنقاش الذي يتعدى ما سيحصل في حرب غزة، يتناول ثلاثة نماذج رئاسية، على أساس السؤال المبدئي عن أي حل يراد للبنان في المرحلة المقبلة، ووفقاً لذلك يمكن تحديد هوية الرئيس المقبل.
حتى الآن دارت انتخابات الرئاسة حول طرفين متعارضين، لكنّ جوهر العملية التنافسية انحصر بالقوى السياسية التي سمّت مرشحيها. ما يناقش أميركياً هو أن أي نموذج من داخل الطبقة السياسية سيعكس حكماً صورة الانهيار في الواقع الحالي الذي يعيشه لبنان منذ سنوات. وهنا لبّ المشكلة. فالرئيس من داخل النادي السياسي يعني، إضافة إلى استمرار الأزمة وإبقاء لبنان في المسار المتدهور، قبض القوى السياسية على مفاصل السلطة. وهذا في حد ذاته مؤشر سلبي بالنسبة إلى من يحاولون إنقاذ الوضع من خارج الحدود اللبنانية. والطبقة السياسية، بحسب هذه النقاشات، متمسّكة بهذا الخيار لأن ذلك يبقيها في إدارة اللعبة مباشرة أو غير مباشرة.
النموذج الثاني هو أن أي كلام من جانب قوى سياسية عن موظفين مدنيين أو عسكريين (وواشنطن ليست مع أي من المطروحة أسماؤهم بغضّ النظر عن التأويلات اللبنانية والفرنسية والقطرية) أو مرشحين من خانة «لا طعم ولا رائحة لهم»، يعني حكماً أن الرئيس المقبل هو رئيس مرحلة انتقالية، وإبقاء للبلد في خانة الانتظار وتأجيل حلول أزمته، وهذا ما تحاول أيضاً بعض القوى السياسية الترويج له، وجذب دول في اللجنة الخماسية إليه. لكنه بالنسبة إلى الأميركيين يعبّر أيضاً عن مصالح القوى السياسية التي تلتقي، رغم اختلافها على اسم المرشح، على إبقاء الوضع اللبناني على سكة الانتظار، مع هشاشة أكثر لاعتبارات معروفة.
أما النموذج الثالث فهو اللجوء إلى خيار من خارج الاصطفاف السياسي بخيارات تتقاطع عليها واشنطن والسعودية، ما يسمح بإخراج الرئاسة من أيدي القوى السياسية الحالية، ووضعها في المكان الذي ينقل الأزمة إلى مساحة أخرى يمكن من خلالها إنجاح المعالجات المطلوبة سياسياً واقتصادياً. وهذا الخيار الذي تحاول القوى السياسية القفز فوقه يلاقي ارتياحاً أميركياً، ويتقدّم في النقاش، من دون الذهاب بعيداً في التفاؤل بإمكان نجاحه، رغم أنه بالنسبة إلى الأميركيين الوسيلة الأضمن للعبور نحو لبنان آخر.
هذه النماذج ترتبط حكماً بأي مستقبل يراد للبنان، وهل يمكن لواشنطن أن تغضّ النظر عن تقدّم واحد من النموذجين الأوّلين أو الترويج للخيار الثاني بين لبنان وبعض أعضاء اللجنة الخماسية والمفاضلة بين السيّئ والأسوأ كما يحصل في الأسابيع الأخيرة، خلال لقاءات يصل مضمونها إلى واشنطن. يكمن الجواب في أن إدارة الأزمة، كما الحلول المرتقبة للوضع الإقليمي، تتعلق بأكثر من دولة، ولو أن واشنطن حتى الآن متمسّكة بعدم التسليم بمقايضة حول وضع لبنان والرئاسة فيه. لكن الخشية تبقى قائمة من أي غضّ نظر أميركي، يُفهم منه القبول بخيارات تبقي لبنان في المكان نفسه، لانشغال واشنطن بملفات كثيرة دولية وإقليمية في انتظار نضوج تسوية كبرى، أو ترحيل كل الملف إلى حينه، ولا سيما أن القوى السياسية المحلية تمعن في التمسك بالخيارين الأوّلين، من دون أي حرج، ما يجعل الميزان قائماً بين مصالح طبقة سياسية بكل اختلافاتها، ومحاولة لتقديم منظار آخر للبنان، سياسي واقتصادي، يجري الكلام عنه في هذه النقاشات.