إلى العاصمة القطرية الدوحة، اتجهت الأنظار مجدّدًا على وقع الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون، تلبية لدعوة رسمية من رئيس أركان القوات المسلّحة الفريق الركن طيار سالم بن حمد بن عقيل النابت، حيث شملت لقاءاته أيضًا رئيس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أكّد "دعم دولة قطر للجيش ومؤسسات الدولة في لبنان، ووقوفها باستمرار إلى جانب شعبه الشقيق"، وفق ما جاء في بيان رسمي.
وفي حين اعتبر البعض أنّ زيارة قائد الجيش إلى الدوحة "ضُخّمت إعلاميًا"، باعتبارها أنّها "تقنية محض"، فإنّ ما يعزّز أهميتها يتمثّل في التسريبات الصحفية التي تكثّفت في الأيام الأخيرة عن تجدّد النشاط القطري على الساحة اللبنانية، وهو نشاط كان قد بدأ قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنه "جُمّد" بصورة أو بأخرى، على وقع انشغال الدوحة بمفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، رغم تسجيل بعض الخروقات على أكثر من مستوى.
من هنا، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن طبيعة النشاط القطري "المستجِدّ" على الساحة اللبنانية، وموقع زيارة قائد الجيش إلى الدوحة في سياقه، فهل تتجاوز هذه الزيارة الأجندة "الظاهرة" لها والمرتبطة بوضع الجيش وحاجات المؤسسة العسكرية، التي تتلقى مساعدات من دولة قطر منذ سنوات؟ وهل تكون باكورة "مبادرة قطرية متجدّدة"، ولا سيما أنّ قائد الجيش كان مصنَّفًا في مرحلة معيّنة، على أنه "مرشح قطر" للرئاسة؟!
اهتمام قطري بالجيش
بحسب ما يقول العارفون، فإنّ "جوهر" زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الدوحة هو "تقني" في المقام الأول، ربطًا باهتمام دولة قطر بالجيش ، وهي التي تقدّم له المساعدات المالية والطبية منذ سنوات، وهي بهذا المعنى تأتي استكمالاً لتنسيق قطري فرنسي بدأ قبل أشهر، وكان يفترض أن يتوّج بمؤتمر خاص بالجيش كانت قد نشطت التحضيرات لعقده في العاصمة الفرنسية باريس، وقد استعيض عنه بما عُرف بلقاءات باريس.
انطلاقًا من ذلك، فإنّ زيارة قائد الجيش إلى الدوحة جاءت لتكرّس هذا النوع من الاهتمام القطري بالمؤسسة العسكرية، والذي قد يكون مرتبطًا في مكان ما بعدد من المشاريع القطرية في لبنان، في ضوء الدور الذي يمكن أن تلعبه الدوحة في القطاعات الاقتصادية، وهي التي لطالما وقفت إلى جانب الشعب اللبناني، في مواجهة مختلف الأزمات التي مرّ ويمرّ بها، ومن بينها الأزمة الاقتصادية مع انهيار العملة الوطنية، والتي لم تنتهِ فصولاً بعد.
وفي وقت كان لافتًا الجدل الذي صاحب الزيارة، على مستوى التفاعلات السياسية، ولا سيما مع التصويب على قائد الجيش، واتهامه بتعمّد تسريب بعض المعطيات "غير الدقيقة" حول الزيارة من أجل إعطائها أبعادًا سياسيّة، لا يستبعد العارفون أن تكون السياسة قد حضرت "على هامش" الزيارة، انطلاقًا من اهتمام الدوحة بتفعيل مبادرتها ووساطتها، خصوصًا على مستوى انتخابات الرئاسة، من دون أن يعني ذلك انحيازها لمرشح محدّد أو غيره.
"تفعيل" الوساطة القطرية
يقول العارفون إنّ "الوساطة القطرية" في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، وإن كانت غير منعزلة عن الحركة التي تقوم بها "المجموعة الخماسية" على خط لبنان، والتي تضمّ كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر، إضافة إلى الدوحة، تبدو "الأنشط"، وربما "الأكثر فعالية"، خصوصًا بعد فشل المبادرة الفرنسية في الوصول إلى أهدافها المنشودة على مدى أشهر طويلة.
وعلى الرغم من أنّ هذه "الوساطة" تراجعت في الأشهر الأخيرة، ربطًا بانشغال الدوحة بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، فضلاً عن تقدّم الوضع الأمني في جنوب لبنان على الرئاسة، في ظلّ قناعة لدى كثيرين بأنّ أيّ خرق لن يسجَّل رئاسيًا قبل انتهاء الحرب، إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّها لا تزال مطروحة، وأنّها بقيت نشطة خلف الكواليس، وقد تمّ تفعيلها أخيرًا من خلال حراك لافت للسفير القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني.
وفي وقت يلفت العارفون إلى تقديرات بأنّ الحركة على خط بيروت-الدوحة ستتكثّف في الأيام القليلة المقبلة، مع ترجيح زيارات لشخصيات لبنانية من مختلف الأطراف إلى الدوحة، في سياق التحضير لما بات يُعرَف بـ"اليوم التالي"، لا يتبنّون فكرة أنّ زيارة قائد الجيش هي "جزء حقيقي" من هذه الحركة، باعتبار أنّ "لا دور سياسيًا" للأخير، حتى لو كان في قناعة كثيرين "مرشحًا مضمرًا" للرئاسة، ولو صُنِّف سابقًا على أنه "مرشح الدوحة" نفسها.
يشدّد العارفون على أنّ "انفتاح" الدوحة على قائد الجيش لا يعني تمسّكها به "مرشحًا محسوبًا عليها" للرئاسة، إذ إنّ قطر حينما طرحته، فعلت ذلك من باب الاعتقاد بقدرته أن يكون "مرشحًا توافقيًا"، وهو ما لم تتوافر له الفرصة الجدّية، بفعل "الفيتو" الذي أشهِر في وجهه. ولذلك، يقول العارفون، إنّ "تفعيل" الوساطة القطرية ينطلق من "عدم الانحياز" لأيّ مرشح، أقلّه بعد تجربة "المبادرة الفرنسية" التي أخفقت عمليًا في تحقيق أيّ نتيجة!