تتسابق الجهود الدبلوماسية لتطويق التصعيد في جنوب لبنان، مع أوسع مروحة نيران أطلقها «حزب الله» باتجاه شمال فلسطين المحتلة رداً على اغتيال القيادي البارز طالب عبد الله، وهو أرفع قيادي تغتاله إسرائيل في جنوب لبنان منذ بدء الحرب.
وأعربت الإدارة الأميركية عن قلقها من «تصاعد العنف بين إسرائيل وحزب الله»، وأكّدت أنها «تسعى جاهدة لمنع حرب شاملة». ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين أن «واشنطن قلقة من اندفاع إسرائيل نحو حرب مع حزب الله من دون استراتيجية واضحة»، و«تعتقد أن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه تخفيف التصعيد الإسرائيلي - اللبناني».
وجدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأربعاء، دعواته إلى حل دبلوماسي بين إسرائيل ولبنان، وقال إن اتفاقاً لوقف إطلاق النار في غزة سيكون له تأثير كبير في تخفيف التوترات. وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي في الدوحة إنه «ليس هناك شك لديّ في أن أفضل طريقة أيضاً للتمكن من التوصل إلى حل دبلوماسي للشمال مع لبنان، هو حل الصراع في غزة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وهذا سيخفف قدراً هائلاً من الضغط».
وكتبت" النهار": مع أن السبب المباشر لما يمكن وصفه بأنه الاشتعال الأشدّ حدة وخطورة واتساعاً للمواجهات الميدانية على الجبهة اللبناتية منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، كان تسديد اسرائيل صربة قاسية للغاية الى حزب الله باغتيالها أحد أكبر قادته الميدانيين مع مجموعة عناصر، فإن المجريات الحربية لليوم الحار المشتعل البارحة رسمت دلالات تتجاوز سبب انفجار "البروفة" الأقرب الى تفجير حرب واسعة وشاملة بين إسرائيل و"الحزب".
اذ إن الوقائع التي واكبت هذا الاحتدام الواسع بيّنت أن إسرائيل لا تتوانى اطلاقاً عن الإقدام على أية عملية تتجاوز قواعد الاشتباك، خلافاً لكل ما يتردد على نطاق واسع من أنها لا تزال تتجنب التسبّب باشعال حرب على الجبهة اللبنانية.
بل إن اغتيال القائد الميداني الأكبر لدى "حزب الله" مع العناصر الثلاثة في نهاية اليوم نفسه الذي كانت اغتالت فيه أيضاً على أقصى الحدود الشرقية ستة عناصر للحزب، ثلاثة منهم لبنانيون، يكشف أن ثمة قراراً بتصعيد الوتيرة الاستنفزازية لـ"حزب الله"، سواءً بهدف استدراجه إلى استعمال المزيد من ترسانة صواريخه ومسيّراته لكشفها أو لهدف مضمر لم تعد إسرائيل بعيدة معه عن مغامرة كبيرة في لبنان.
وتبعاً لذلك بدا من البديهي أن ترصد بدقة ردة فعل "حزب الله" أمس، غداة الضربة الموجعة التي تلقاها، وبدا الرد بمثابة مزيج من تصعيد غير تقليدي لجهة كثافة النار الصاروخية التي ألهبت شمال إسرائيل ونوعية بعض الأهداف من مثل مصنع للصناعات الحربية وتوسيع بقعة الاستهداف، ولكن الرد لم يبلغ حدود اسقاط آخر سقوف قواعد الاشتباك بما يصعب بعده الرجوع إلى واقع المواجهات من دون الانزلاق الى حرب شاملة. ومع ذلك يمكن القول إن مواجهات البارحة رسمت الخط البياني الأكثر خطورة لجهة بلوغ التعبئة المتبادلة في العمليات وحدّتها ذروة قياسية أقله منذ تحركت هذه الجبهة قبل أكثر من ثمانية أشهر.
تزامن هذا الاشتعال مع بلوغ التحرك الديبلوماسي الأميركي ذروته في المنطقة سعياً إلى وقف حرب غزة، وذلك من خلال الجولة الثامنة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط منذ اندلاع حرب غزة. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في الدوحة تطرّق بلينكن إلى الوضع في جنوب لبنان، فقال: "الاتفاق حول غزة سيكون تأثيره هائلاً في خفض التوتر بين إسرائيل ولبنان، ونحاول منع التصعيد في جنوب لبنان ولا أحد يرغب في حرب جديدة هناك، إذ إن 60 ألف إسرائيلي لا يستطيعون العودة إلى منازلهم بسبب صواريخ حزب الله".
وكتبت" الاخبار": حضرت الجبهة الجنوبية بقوة في الاجتماعات الأميركية - الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمسؤولين الإسرائيليين، وكذلك بين قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي مايكل كوريلا ورئيس أركان جيش العدو هرتسي هاليفي في إسرائيل الأسبوع الفائت، بالتزامن مع توجّه قائد الجيش العماد جوزف عون إلى الولايات المتحدة. وأكّدت مصادر متابعة أن «جبهة الجنوب ومخاطر التصعيد فيها، كانت الموضوع الأبرز في لقاءات القائد في واشنطن». وأشارت إلى أن «الولايات المتحدة لا تزال تبدي تمنّعها عن دعم عمل عسكري إسرائيلي كبير ضدّ لبنان، لإدراكها حجم المخاطر التي ستترتّب على إسرائيل وعلى المنطقة»، لافتة إلى أن «ثمّة في حكومة العدو من يدعم توجّهاً تصعيدياً ضدّ لبنان، بينما يتسم موقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بالحذر الشديد».
وكان حزب الله رد امس على اغتيال القائد طالب سامي عبدالله، فأمطر شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ وصولاً إلى صفد وطبريا، وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إطلاق أكثر من 215 صاروخاً، فيما دوّت صفارات الإنذار في أكثر من 32 مستوطنة، وسُمعت أصداء الانفجارات في طبريا وصفد ومحيطها وفي عدد كبير من مستوطنات الجليل، وفي حيفا وعكا و«هكريوت».
وأكّدت وسائل إعلام العدو أن كل الصواريخ التي أطلقها حزب الله أصابت أهدافها مباشرة. وتحدّثت عن انقطاع الكهرباء في أماكن كثيرة في الشمال، وعن اشتعال حرائق في عدد من المناطق. وقال قائد لواء الشمال في الإطفاء يئير ألكايم إنّ «الحرائق عرّضت مستوطنات ومنشآت استراتيجية للخطر»،
واستهدف حزب الله بصواريخ موجّهة مصنع «بلاسان» للصناعات العسكرية في مستوطنة سعسع، وقصف مقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم، والمقر الاحتياطي للفيلق الشمالي في قاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها في «عميعاد»، ومقر وحدة المراقبة الجوية وإدارة العمليات الجوية في قاعدة ميرون بعشرات صواريخ الكاتيوشا وقذائف المدفعية. وقصف بصواريخ كاتيوشا وبركان ثكنة زرعيت ومرابض مدفعية العدو في خربة ماعر وانتشاراً لجنوده في محيطها، وموقعي حدب يارين وبركة ريشا، وشنّ هجوماً جوياً بسرب من المُسيّرات الانقضاضيّة على ثكنة حبوشيت (مقر سرية تابعة للواء حرمون 810)، استهدف أماكن تموضع واستقرار ضبّاط الثكنة وجنودها. واستهدفت المقاومة قوّات العدو في موقع المالكية ومواقع رويسة القرن في مزارع شبعا والرمثا والسماقة في تلال كفرشوبا وراميا والراهب وحانيتا وجل العلام، والتجهيزات التجسسيّة في موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا. وتصدّت وحدات الدفاع الجوي في المقاومة لطائرة صهيونية فأطلقت باتجاهها صاروخ أرض - جو، وأجبرتها على مغادرة الأجواء اللبنانية.
غير أن النيران لم تصل إلى حيفا، وفق ما قال الجيش الإسرائيلي؛ الذي كشف عن معادلة غير معلنة، تتمثل في قصف حيفا في حال قصفت بيروت. وقال الجيش إنه لا يتوقع أن يرد «حزب الله» على الاغتيال بإطلاق النار على منطقة حيفا؛ «لأن الاغتيال وقع في مدينة صور وليس في بيروت أو في مكان استراتيجي أو مركزي آخر في الدولة».