في وقت تزداد فيه المخاوف من اندلاع حرب واسعة بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، والقائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر بغارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، يعول البيت الابيض على نجاح الجولة الجديدة من المفاوضات في الدوحة والهادفة لتحقيق هدنة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس. ويأتي ذلك وسط توعد إيران برد انتقامي على اغتيال هنية وتأكيد حزب الله أنه سوف يرد أيضاً على اغتيال شكر، علما أن مصادر مطلعة على الأجواء الايرانية، ترى أن ايران أذكى من أن تقع في الفخ الإسرائيلي، خاصة وأن بنيامين نتنياهو يريد جر الولايات المتحدة إلى حرب مع الجمهورية الإسلامية وهذا ما تتنبه له طهران ولذلك فإنها ردها الذي سيحصل ولو تم تأجيله أياماً أو أسابيع، قد يكون استخباراتياً وكذلك الأمر بالنسبة إلى رد حزب الله.
وترى المصادر أن ايران وحزب الله تعمدا تأجيل الرد لإعطاء فرصة لواشنطن، اقتناعا منهما أن احتمالات الحرب الاقليمية اليوم أصبحت أكبر مما كانت عليه مع عملية "طوفان الاقصى". ومن هنا تجهد واشنطن لتحقيق تقدم في مسار المفاوضات، فهي وفق مصادر مطلعة على الأجواء الأميركية ليست مستعدة لأي حرب إسرائيلية على لبنان، خاصة وأن أي حرب قد تحصل ستكون هي ، بطبيعة الحال، طرفاً فيها إلى جانب اسرائيل، هذا فضلا عن أن واشنطن تدرك جيداً أن الحزب يحظى بنفوذ في المنطقة وهناك ارتباط عقائدي بينه وبين حركة انصار الله والمجموعات الشيعية في افغانستان وباكستان والمقاومة العراقية التي سوف تشارك إلى جانب الحزب في حال عمدت إسرائيل إلى توسيع نطاق حربها على لبنان.
وسط ما تقدم يطرح مراقبون أسئلة حول العلاقة بين حزب الله والولايات المتحدة ربطاً بالعلاقات الإيرانية – الأميركية التي مرت وتمر بمد وجزر.
ويقول مصدر سياسي بارز ومعني بالملف الأميركي إن بحث علاقة حزب الله بالولايات المتحدة عبر أربعة عقود ليست خاضعة لمعادلة أو تقييم واحد بل تتغير مع الأوضاع العالمية وانعكاسها على لبنان. فصراع الولايات المتحدة مع أصدقاء الاتحاد السوفياتي كان الهم الأساس للسياسة الأميركية في الشرق الاوسط في الثمانينيات، وكان الصراع في لبنان جزءا لا يتجزأ من الحرب الباردة. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي ودخول العالم في العصر الأحادي، انكفأ الحزب بتوجيه ايراني عن عمليات الخطف واستهداف الأميركيين في لبنان. وبدأ عصر التفاهمات الأميركية - الإيرانية في التسعينيات بعد حرب العراق الأولى حيث توقف تهديد المصالح الأميركية وتوجه الحزب نحو إسرائيل كحركة مقاومة للاحتلال، وكحزب سياسي في الداخل.
لا شك أن مسار الحزب في الداخل اللبناني، بحسب المصدر نفسه، عكس العلاقات الإيرانية - الأميركية إلى حد بعيد. ومع بداية العقد الثالث جاءت حرب العراق الثانية والتي قضت على ألد أعداء الجمهورية الإسلامية فاستفادت إيران من "التطرف السني" بعد 9/11/2001 لتحسن صورتها حيث تعاونت مع الغرب في أفغانستان، وأظهرت نفسها وكأنها مع الغرب في خندق واحد ضد التكفيريين. هذا التوجه الذي بدأ مع جورج بوش من خلال التعاون في أفغانستان والعراق، تزامن مع دخول الحزب في الحياة السياسية اللبنانية بشكل أقوى وانتهى بتقاسم النفوذ مع حركة أمل على أسس سوية.
إن التفاهم السوري - الأميركي قبل العام 2005 كان على أساس تنظيم العلاقة مع الحزب الذي كبحت جناحه سوريا حتى العام 2005 (العام الذي شهد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري). وبعد ذلك لم ينجح فريق14 آذار ليكون بديلاً فعالا للنفوذ السوري في ضبط إيقاع حزب الله الذي استفاد من خروج سوريا من لبنان عسكرياً وسياسياً وأصبح هو من يضبط النفوذ السوري في لبنان، يقول المصدر نفسه.
ويتابع المصدر نفسه: العقد الثالث للحزب كان ذهبياً بانتخاب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة في العام 2008 وهو الذي أولى العلاقة مع إيران أهمية قصوى واعتبرها الحليف الأهم في محاربة الأصولية السنية. ومن اجل إبرام الاتفاق النووي مع ايران اعتمد صمتا مطبقا تجاه تظاهرات طهران المليونية في 2009، ومنع تسليح المعارضة السورية، وانعكس هذا قبول الولايات المتحدة التفاهم بين الجيش اللبناني وحزب الله خاصة في محاربة الإرهاب. وفي هذه الفترة كانت الولايات المتحدة تتجاهل تمدد الحزب في أميركا اللاتينية وتغض النظر عن نفوذ الحزب في سوريا والعراق.
لكن وصول دونالد ترامب إلى البيت الابيض شكل، بحسب المصدر نفسه، ضربة كبيرة لايران ومصالحها في المنطقة، وإن بقيت المصالح الأميركية بعيدة عن أي استهداف، علما أن المسؤولين الأميركيين أدركوا جيداً أن المعارضة للحزب قد تلاشت مع تفاهم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري و حزب الله وانفراط 14 اذار. وعودة الدفء إلى علاقة رئيس الحزب التققدمي الاشتراكي ( في ذلك الحين) وليد جنبلاط وحزب الله شكلت الدليل الأكبر أن الجبهة الوسطية التي كانت ضد الحزب (ولم تكن مع الولايات المتحدة) قد تلاشت.
جاء عهد الرئيس الحالي جو بايدن ليثبت العلاقة مع إيران وفق الأسس التي وضعها أوباما. ففي اسوأ الظروف، تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل لكنها لا تهاجم ايران والعكس صحيح. فالإدارة الحالية تتعاطى مع الوضع في لبنان بواقعية نفوذ الحزب الذي هو صاحب القرار. فالوسيط الأميركي آموس هوكشتاين يفاوض الحزب وليس الدولة. أما اجتماعه مع المعارضة فهو للذكرى، مع تأكيد المصادر أن هوكشتاين لم ينقل أي تهديدات إنما جاء للبحث في اليوم التالي لوقف إطلاق النار لجهة تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب.