ليس سهلا على من عايش فترة اقامة "قائد الجيش" العماد ميشال عون في قصر بعبدا اواخر الثمانينات من القرن الماضي ان ينسى الأغنية التي كان يرددها انصاره ويقول مطلعها: "وحدو وقف يلمع بايدو السيف وبعيونو الغضب.. هيك انكتب بيخلق مجد لبنان"...
لم يترك عون يومها احدا الا واختلف معه تحت شعار "تحرير لبنان"، بدءا بالقوى السياسي المسيحية واللبنانية عموما وصولا الى الاطراف الخارجية، فإستحق مطلع هذه الاغنية، "وحدو وقف" بعيدا عن صحة باقي المقطع، ولعل رئيس" التيار الوطني الحر" جبران باسيل اخذ من عمه انجذابه للوحدة، فها هو اليوم يقف وحيداً ايضا..
في المدى المنظور أقفل باب الإستقالات من "التيار الوطني الحر" بعد ان وصل عدد الخارجين منه ومن تكتل "لبنان القوي" إلى اربعة نواب بين مفصول ومستقيل و"مستقيل بتردد"، علماً أن نواباً آخرين قد يصل عددهم إلى ثلاثة لا يزالون ممتعضين لكن استقالاتهم لم يتم وضعها على الطاولة بعد، لاسباب انتخابية وحزبية وربما شخصية، وعليه فإن تكتل "لبنان القوي" بات كتلة متوسطة الحجم بعد أن كان من الكتل الكبيرة، الامر الذي يترافق مع أزمة حزبية داخلية غير مرتبطة بالضرورة بالتكتل اذ ان حالة الامتعاض الحزبية بسبب اداء باسيل باتت كبيرة، والتمايز السياسي بين اجنحة "التيار" والحالة العونية اصبح فاقعاً للغاية وقد يكون من الصعب السيطرة عليه.
ازمة باسيل ليست مبنية فقط على الجانب الحزبي، بل هي عملياً متعددة الجوانب، اذ ان الواقع السياسي ل"التيار" وتأثيره في الحياة السياسية الداخلية سينخفض، فعلى سبيل المثال، في الإستحقاق الرئاسي حيث كان باسيل يسعى إلى عرقلة وصول رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، فإن إضمحلال حجم كتلته النيابية يجعل من قدرته على التعطيل اقل، كما ان النواب الذين انسحبوا او طردوا من التكتل قد يصطفون الى جانب فرنجية مما يزيد من حظوظه، وقدرته على احداث خرق فعلي على المستوى النيابي، وهذا كله ليس لمصلحة باسيل وقد ينطبق على استحقاقات اخرى كثيرة.
فشل باسيل في الاسابيع الماضية في تحسين العلاقة مع "حزب الله"، الامر الذي جعله امام تحد جديد يرتبط بالإنتخابات النيابية المقبلة، اذ سيخسر الرجل، اضافة الى النواب الذين خسرهم بالاستقالات والاقالات، نواباً جددا كان الحزب قد منحه إياهم عبر تجيير مجموعة كبيرة من الاصوات مثل نواب بعلبك الهرمل والبقاع الغربي وزحلة وبيروت الثانية، وحتى نواب عكار والشوف عاليه الذين وصلوا بفضل اصوات "قوى الثامن من اذار" الذين فشل مرشحوهم بالوصول بسبب لعبة الصوت التفضيلي.
وعليه فإن كتلة باسيل ستتحول مجدداً من كتلة متوسطة الى كتلة صغيرة قد لن يصل عدد اعضائها الى 10 نواب، ما سيشكل نوعا من الهزيمة الوجودية للحالة العونية بعد اكثر من 20 عاماً من الريادة العددية في الشارع المسيحي.
كل ما يفعله باسيل سيجعله محاصراً سياسياً، فقد فشل الرجل بالانتقال الى خندق المعارضة، لا بل ان القوى المسيحية ترفضه بشكل قاطع وفق نظرية أن تياره ينهار شعبياً وسياسياً فلماذا نعطيه الشرعية المسيحية والسياسية؟ كما ان عودته الى حضن الحزب لم تنجح اقله حتى اللحظة مما يجعله يقوم بتصريحات غير متوازنة ومتقلبة، فتارة يتقارب من خطاب الحزب وتارة اخرى يهاجمه بشدّة، وهذا ما لا يعجب حارة حريك ابداً ويجعلها تتردد كثيراً في استعادة التحالف المتين مع ميرنا الشالوحي. كما أن باسيل اختار اللحظة الاسوأ والمادة الأخطر ليتمايز فيها مع حليفه السابق وهو يعلم حساسية موضوع المقاومة والسلاح والقضايا الاستراتيجية في قاموس الحزب.
أزمة "التيار الوطني الحر" المركبة تجعل من اعادة باسيل الروح للحالة العونية امرا صعبا للغاية خصوصاً أنه يعاني كل هذه المعاناة في ظل وجود الرئيس السابق ميشال عون، فكيف سيكون عليه حال "التيار" في المستقبل؟ وكيف سيتمكن باسيل من عقد تحالفات جديدة او تجديد تحالفاته القديمة، وهو كان قد خسرها في عز قوته الشعبية والنيابية فكيف الحال بعد ضعفه وتراجع عدد نوابه؟
يقع على عاتق باسيل الكثير من التحديات السياسية والخطوات الجريئة التي يجب عليه القيام بها لكي يحافظ على ما تبقى من تياره وحضوره، والا فإن خصومه يؤلفون له أغنية جديدة: "وحدو وقف، يشحط بإيدو الناس.. هيك انكتب مستقبل الافلاس"..