من الواضح ان الكباش الداخلي عاد مجددا ليطال مسألة رئاسة الجمهورية في لحظة تراجُع التطورات العسكرية، وارتفاع احتمالات التسوية، فقد عادت مؤشرات تحرك القوى الدولية والاقليمية من اجل الوصول الى تسوية رئاسية، كل ذلك يحصل بالتوازي مع اعلى نسبة اشتباك سياسي واعلامي بين القوى والاحزاب السياسية المختلفة مما يوحي بأن الصراع الرئاسي سيكون اصعب من مرحلة ما قبل السابع من تشرين الفائت.
الازمة السياسية اللبنانية باتت اليوم اكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل "طوفان الاقصى"، فأولا بات "حزب الله" يشعر بأنه يملك شرعية شعبية كبيرة لم يكن يمتلكها قبل الحرب، وبات تاليا قادرا على التفاوض مع خصومه وبيده اوراق قوة شعبية حقيقية اذ استعاد الحزب خلال الحرب كل ما كان قد خسره في ثورة 17 تشرين والازمة الاقتصادية، اقله في الشارع الشيعي.
كذلك فإن التقارب بين عدد من النواب السنّة والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى اعطاه شرعية سياسية ووطنية كبيرة لم يكن يحظى بها في السابق، وحتى في الموضوع الرئاسي باتت احتمال انتقال نواب الحزب الاشتراكي وعدد من النواب السّنة الى خندق داعمي فرنجية اكبر بكثير مما كان عليه في السابق في ظل التقارب الاستراتيجي بين هؤلاء و"قوى الثامن من اذار".
حتى ان ما حصل داخل "التيار الوطني الحر" جعل من النواب الاربعة الذين خرجوا من تكتل "لبنان القوي" هدفا واقعيا للاستقطاب الى جانب فرنجية ما يعزز حظوظ الرجل الى حد بعيد، كل ذلك يضاف الى قدرة "حزب الله" المتجددة على التفاوض والتحاور مع الاطراف الدولية والاقليمية، الامر الذي سيعطيه افضلية اكبر وقدرة على تحسين وضعه التفاوضي مع خصومه في الداخل.
يقول "حزب الله" ان لن يستفيد من مكاسبه الميدانية او من نتائج الحرب الحاصلة في السياسة الداخلية، لكن هل هذا الامر ممكن؟ ترى المصادر انه من غير الممكن الا ينعكس التطور الميداني في لبنان والمنطقة على الواقع والتوازنات السياسية، وحتى قبل انتهاء الحرب اعادت قوى سياسية تموضعها لتصبح حليفة للحزب، فكيف بعد انتهاء المعركة وفي حال بدأ الاميركيون مساعيهم للوصول الى تسويات دائمة عند الحدود الجنوبية؟
بدأت القوى المسيحية وقوى المعارضة حملة سياسية واضحة للحفاظ على مكتسباتها التي حققتها في السنوات الماضية، خصوصا انها تستشعر الاهتمام الدولي بالتواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتاليا مع "حزب الله"، لذا فإن التطورات الحالية واعادة فتح الملف الرئاسي قد تكون دليلا واضحا على الدور الكبير الذي قد يلعبه "الثنائي" في هذا الاستحقاق، خلال الحرب او بعد نهايتها..