في ذروة الانشغال بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، على وقع التهديدات المتصاعدة بانتقال القتال إلى جنوب لبنان، وفي وقتٍ يقترب الشغور الرئاسي من دخول السنة الثالثة، على وقع مبادرات رئاسية متعثّرة، تصطدم بمجملها بالحائط المسدود، أضيفَ ملف آخر إلى سلسلة البنود الخلافية على طاولة البحث اللبنانية، هو قانون الانتخاب "المُختَلَف عليه، بين من يريده ومن لا يريده، والحاجة إلى إعادة النظر فيه"، وفق تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري.
فعندما سئل الرئيس نبيه بري في حديث إلى صحيفة "الأخبار" قبل أيام عن تأثير الشغور الرئاسي على الانتخابات النيابية المقبلة المفترضة بعد سنة ونصف السنة، قال: "إن شاء الله لا نصل إلى هذه المشكلة"، مضيفًا: "سنكون أمام مشكلة أخرى إلى تلك هي قانون الانتخاب المُختلف عليه". وأوضح أنّ القانون النافذ لا يصلح للتطبيق، "لأننا ملزمون انتخاب ستة نواب للاغتراب، لم يُصَر بعد إلى تحديدهم وتوزّعهم على الطوائف والقارات".
سريعًا، أثار كلام بري "بلبلة" واسعة في الأوساط السياسية، وفتح الباب أمام تكهّنات بالجملة، حول ما أراد قوله باستحضار قانون الانتخاب في هذا التوقيت تحديدًا، فهل المقصود فعلاً فتح النقاش حول قانون الانتخاب في غمرة الانشغالات الكثيرة، وفي ظل ّشغور رئاسي يقف حائلاً برأي كثيرين أمام التشريع، أم أنّه يمهّد عمليًا لفتح "بازار" التمديد لمجلس النواب، بحجّة نواب الاغتراب، وهل من مشروعٍ من هذا النوع مطروح في الكواليس السياسية؟!
نقاش حول قانون الانتخاب
يرفض المؤيّدون لرئيس مجلس النواب تفسير موقفه على أنه "تمهيد للتمديد"، كما فسّره الكثيرون ضمنًا، معتبرين أنّه على العكس، قدّم قراءة "واقعية" لمشكلة ستضاف إلى سلسلة المشاكل التي لا بدّ من التنبّه إليها، فقانون الانتخاب كما هو لا يمكن تطبيقه، بمعزل عن الموقف منه، لأنّه ينصّ صراحة على نواب اغتراب، لم يتمّ تحديد كيفية توزيعهم، سواء على القارات أو الطوائف، ما يعني عدم القدرة على إجراء الانتخابات بموجبه، ما لم يُصَر إلى معالجة هذه الثغرة.
وبالنسبة إلى توقيت فتح الموضوع، فيفترض أن يتلقفه الأفرقاء "إيجابًا"، وفقًا للدائرين في فلك رئيس مجلس النواب، لأنّ إثارة الموضوع الآن، قبل سنة ونصف السنة من الموعد المفترض للانتخابات، يفترض أن يشكّل إشارة إيجابية بأنّ المقصد ليس اعتماده "ذريعة" لتطيير الانتخابات، بل لفتح النقاش حول الأمر، من أجل البحث بالمَخارِج المُتاحة، وربما الآليات التي تسمح بإجراء الاستحقاق في وقته، من دون مخالفة القانون في الوقت نفسه.
وفي حين يرى البعض أنّ إطلاق ورشة تشريعية بشأن قانون الانتخاب قد يكون مفيدًا، خصوصًا أنّ القانون النافذ، بمعزل عن بند المغتربين، لا يُعَدّ مثاليًا، وهو ما أثبتته التجربة على مدار جولتين، يلفتون إلى إشكالية أخرى يثيرها الأمر، تتمثل في الشغور الرئاسي، وإصرار كتل نيابية أساسية على رفض التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، ما يعني أنّ عدم الانتخاب سيضع البلد أمام مشكلة مزدوجة، قد تكون الانتخابات النيابية "ضحية" لها.
التمديد للبرلمان "على النار"؟
لا تُقنِع مثل هذه الحُجَج الكثير من الناشطين الذين يخشون من أن يكون "مخطط" التمديد لمجلس النواب قد بدأ عمليًا، علمًا أنّ بديهيات العمل السياسي تفترض الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، لا تأجيل الانتخابات، وبالتالي التمديد للبرلمان، مع ما قد ينطوي على ذلك من "مكافأة غير مستحقة" للنواب على عجزهم عن القيام بالحدّ الأدنى من واجباته، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية، بما يسمح بإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية في البلد.
لهذه الأسباب، يتوجّس كثيرون من المؤشرات الكامنة خلف كلام رئيس المجلس، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ فتح النقاش حول قانون الانتخاب يعني أنّ التمديد وُضِع "على النار"، ولو تحت مسمّى "التمديد التقني"، باعتبار أنّ التوافق على عدم أهلية قانون الانتخاب الحالي، يشرّع التمديد ريثما يتمّ التقاطع على قانون انتخابي صالح للتطبيق، وهو ما قد لا يكون مُتاحًا قبل انتظام الحياة الدستورية، عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي مقابل الكلام "الواقعي" لبري، يقول المعارضون لوجهة نظره، إنّ ما قد يكون أكثر "واقعية"، هو "تجاوز" النقاط الخلافية في هذا التوقيت، علمًا أنّ بند المغتربين لم يحُل دون إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة، بعد التوصّل إلى صيغة مناسبة في مجلس النواب، وهو ما يمكن العمل عليه مجدّدًا في الدورة المقبلة إن كانت النوايا صافية، علمًا أنّ رافضي التشريع لن يتأخّروا في توفير الغطاء لذلك، تمامًا كما شاركوا في جلسة التمديد لقائد الجيش سابقًا.
ليس خافيًا على أحد أنّ قانون الانتخاب بصيغته الحاليّة، غير صالح للتطبيق، وأنّ أيّ انتخابات جديدة ستتطلب صيغة قانونيّة تلغي البند الخاص بالمغتربين بالحدّ الأدنى، أو تُحدّده، وربما تُدخِل المزيد من التعديلات على قانونٍ لا يوصَف بالمثاليّ أساسًا. لكنّ كلام رئيس مجلس النواب يثير، رغم ذلك، الكثير من الضجّة، وربما "الريبة"، في بلدٍ بات محكومًا بتجاوز الاستحقاقات ومواعيدها، والشغور الرئاسي المستمرّ منذ سنتين خير دليل على ذلك!