من يتابع الغارات الإسرائيليّة المكثّفة على الجنوب وعلى البقاع والعمليّات الاستخباراتية في الضاحية الجنوبية لبيروت، يقول إنّ العدوّ الإسرائيليّ بدأ فعلاً حربه الموسّعة والشاملة على لبنان، مع تزايد أعداد الشهداء والجرحى بوتيرة مُتسارعة، تزامناً مع شنّ "حزب الله" هجمات مُعاكسة على مواقع جديدة في فلسطين المحتلة واستهدافه لمدينة حيفا.
وحتّى الآن، فإنّ إسرائيل لا تزال تُركّز على مناطق جنوب لبنان والبقاع، حيث تزعم أنّ "حزب الله" يُخزّن أسلحته داخل المنازل والمستودعات وفي الأنفاق. وأشار وزير دفاع العدوّ يوآف غالانت إلى أنّ الطيران الحربيّ الإسرائيليّ استطاع التخلّص من العديد من الصواريخ التي تمتلكها "المقاومة"، في ظلّ استمرار العمل الاستخباراتي بقوّة وخصوصاً في الضاحية الجنوبية لاغتيال آخر قيادات "الحزب" العسكريّة التي تتّهمها تل أبيب بأنّها تقف وراء الهجمات على المستوطنات.
وقد يعتبر الكثيرون أنّ الحرب توسّعت فعلاً بعد الاعتداءات الإسرائيليّة غير المسبوقة على البلدات الجنوبيّة والبقاعيّة، غير أنّه يتّضح في المقابل أنّ هناك تركيزاً من قبل إسرائيل على شلّ قدرات "حزب الله". ولعلّ هذا الأمر بدأ مع تفجير أجهزة "البيجر" الأسبوع الماضي، فهدف العدوّ من العمليّة كان إحداث الأضرار أو قتل أكبر عدد من عناصر "المقاومة" لإخراجهم من الخدمة، نظراً إلى أنّ الكثيرين أُصيبوا بجروح بالغة في العين أو اليدّ، ما يمنعهم من المُشاركة في المعارك مستقبلاً.
ثانيّاً، فإنّ العدوّ استطاع توجيه ضربة قويّة لـ"الحزب" عبر اغتيال قيادات فرقة "الرضوان" التي تُخطّط لاجتياح الجليل في حال قرّر الجيش الإسرائيليّبشنّ عمليّة بريّة على لبنان. ففي اعتقاد تل أبيب، فإن وحدة "الرضوان" تقف خلف أبرز الهجمات الدقيقة على المستوطنات منذ 8 تشرين الأوّل، واستهداف رجالات الصفّ الأوّل فيها يُعطّل جهودها ويُخفض عدد عملياتها ويدفعها إلى التراجع.
ثالثاً، زعم العدوّ الإسرائيليّ أنّ غاراته المكثّفة استهدفت مواقع عسكريّة لـ"حزب الله" ومخازن للصواريخ، وبرزت أصوات داخل تل أبيب تُشيد بهذه العمليّات لأنّها أزالت خطر آلاف الصواريخ بحسب ما قيل هناك، على الرغم من أنّ أغلبية المنازل التي استُهدفت، استشهدت فيها عائلات بأكملها أكان في الجنوب أو في البقاع.
وعليه، لا يُمكن التنبؤ بما قد تُقدم عليه إسرائيل في الأيّام المقبلة، فهي لم تدخل حتى الآن في حربٍ شاملة مع لبنان لأنّ مرافق الدولة الحيويّة لم تُستهدف، وإنّما تعمل على ضرب قدرات "حزب الله" للضغط عليه ودفعه إلى وقف حرب الإسناد والتراجع إلى شمال الليطاني لإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشماليّة، والتركيز مُجدّداً على حركة "حماس" في غزة.
وتعتقد إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركيّة أنّه بالقوّة المفرطة قد يُوقف "حزب الله" دعمه لـ"حماس" وقد ينكفئ عن الحرب، وخصوصاً وأنّ بلدات جنوبيّة جديدة شهدت موجات نزوحٍ إلى بيروت ومناطق الجبل والمتن وكسروان والشمال، ما يعني أنّ الضغط الشعبيّ في البيئة الشيعيّة يزداد على "الحزب"، وأصبح وضعه مُشابهاً لتل أبيب التي تُواجه أزمة نزوح غير مسبوقة بدورها.
ومن شأن الأحداث المتسارعة وخصوصاً زيادة وتيرة القصف المتبادل بين "حزب الله" وإسرائيل أنّ تقلب المعادلة. فكما سقطت قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء منذ الأسبوع الماضي، هناك خشية من استهداف أيّ موقع حساس قد يُوسّع الحرب حكماً، وهنا يمكن الحديث عن المطار أو المرافئ أو الدوائر الرسميّة أو شخصيّات بارزة جدّاً من "الحزب".