إلى جانب حربه التي يخوضها في جنوب لبنان، بدأ "حزب الله" حرباً من نوع آخر على صعيده الداخلي ووظيفتها تأهيل الجانب الأمني بدرجات عالية من الدقة.
يُدرك "حزب الله" حالياً مدى الخروقات التي طالته، كما يعي تماماً أن مسألة ترميم البنية الإستخباراتية يحتاجُ إلى الكثير من الوقت، بينما لا يمكن الإنتظار لإتمام ذلك حتى إنتهاء الحرب.
ما يجري في الوقت الراهن هو أنّ "حزب الله" إستفاد من أخطاء وثغرات عديدة، فأضحى أمام إعادة ترميمٍ جديدة متوازية مع المعارك التي يخوضها، والدور الأكبر في هذا الإطار يقعُ على عاتق المسؤولين الأمنيين الكبار الذين ما زالوا يقودون الحزب وغالبيتهم من الرعيل الأول، أي من الذين واكبوا الحزب في انطلاقته خلال ثمانينات القرن الماضي.
تكشف المعلومات أن "حزب الله" بات في مراحل متقدمة على صعيد التحقيقات المرتبطة بكل الخروقات الأمنية التي طالته، مشيرة إلى أنّ الحزب يعمل على أكثر من صعيد لاكتشاف كل مكامن الخلل، وبالتالي تحديد الحلول التي يمكن اعتمادها لسدّ أي ثغرة في الوقت الراهن.
وفق المعطيات، فإن الإدارة المركزية لهذه التحقيقات تحظى بسرية تامة، في حين أن الأجهزة التي تمارس التحقيق تسعى لضبط كل الثغرات.
في المقابل هناك أمور غير مضبوطة لا ترتبط فقط بالقيادات العسكرية التي تطالُ الحزب، بل تتصلُ بمسؤولين يتوزعون ضمن المناطق أو الذين ينتمون إلى الحزب عبر مسؤولية مُعينة.
المقصود هنا بكل بساطة الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة عبر شبكة الجواسيس والعملاء المنتشرة، ما يعزز في هذا الإطار فرضية الاستهدافات الممنهجة والتي تؤدي إلى إثارة فتنة داخلية من بوابة الاغتيالات.
الدلالة الأكبر على ذلك كان في ما حصل ضمن بلدة برجا – إقليم الخروب، حينما استهدفت طائرة إسرائيلية مبنى سكنياً في اعتداءٍ أسفر عن استشهاد 4 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 14 شخصاً بجروح.
ما قيل عن هذا الإعتداء إنه كان يطال مسؤولاً في "حزب الله"، فيما وجدت داخل الشقة المستهدفة أجهزة إتصالات وحواسيب ومعدات أخرى. هنا، وبعد الضربة، صدر بيان من البلدة يدعو كل من يجد نفسه مُستهدفاً أن يُحيد نفسه عن المدنيين.
الضربة هذه وغيرها ضربات أخرى تطالُ مسؤولين أو منتمين للحزب، بينما من يتأذى بها هم المدنيون أنفسهم، ما يجعل البيئة الحاضنة لأي طرف مستاءة مما يجري، ويدفع الكثيرين للتساؤل عن الثمن الذي سيدفعه الأبرياء لقاء استهداف لا علاقة لهم به.
لهذا، وأمام كل ذلك، فإن العدو الإسرائيلي قد يستغل أي ثغرة لخلق الفتنة من خلال تنفيذ الاستهدافات التي تطال الحزب في أوساط المدنيين، والهدف هو خلق بلبلة بين المستهدفين أو الجهة التي ينتمون إليها وبين أهالي المنطقة التي تعرضت للقصف.. فهل سيتحمل "حزب الله" هذا الأمر؟وكيف بإمكانه معالجته؟
أمام ما يجري، تبقى هناك ثوابت لا يمكن التخلي عنها أمام المشهدية الحالية وهي قطع الطريق أمام العدو الإسرائيلي لتأليب الشارع وخلق فتنة داخلية من استهدافات عشوائية تطالُ المدنيين بالدرجة الأولى.
أيضاً، يجدر القول أيضاً إن كل هجمات الإسرائيليين لا تأتي سوى ضد المدنيين، ما يُثبت أن بنك الأهداف لدى تل أبيب يأخذ منحى واضحاً وهو القتل العشوائي، فيما الهدف من وراء ذلك هو خلق الفتنة في مناطق لا تعتبر محسوبة على "حزب الله"، وذلك بهدف دفع الناس للاصطدام مع الأخير.
إذاً، الوعي مهم جداً من قبل الطرفين، لدى الحزب ولدى البيئات الأخرى.. فهل وصلت الرسالة؟ وهل سيتم التعامل معها بجدية؟ الأيام ستكشف...