يواجه الأرمن في لبنان أوضاعًا صعبة نتيجة تصاعد حدة العمليات الإسرائيلية، مما يهدد سلامتهم ووجودهم في وطنهم. فهؤلاء الذين يتجاوز عددهم 150,000 شخصا، يعيشون تحت وطأة قصف جوي مكثف وحرب لا تبقي ولا تذر.
وحولت الحرب الدائرة حياة المجتمع الأرمني إلى كابوس من الخوف والقلق، وأثارت مشاهد العنف في لبنان ذكريات مؤلمة من مآسي الماضي.
ووفق تقرير نشرته إذاعة أوروبا فإن الكثير من الأرمن اللبنانيين يخشون أن تجبرهم هذه الأزمة على مغادرة وطنهم لبنان، وعلى الرغم من أن الأمل في السلام يبدو هزيلًا، إلا أنهم يواصلون التمسك بلبنان كجزء لا يتجزأ من هويتهم وتراثهم.
هذه الأزمة وضعتهم الان أمام خيار صعب بين البقاء في وطنهم، أو الهروب إلى مصير مجهول قد يبعدهم عن جذورهم.
زكار كشيشيان يعيش في مزهر، وهي بلدة صغيرة تقع على مشارف بيروت، والتي نجت لحد الآن من القصف الجوي الذي تنفذه إسرائيل في لبنان.
لكن هذه البلدة قريبة جدا من المناطق الأخرى التي تتعرض الى ضربات مستمرة، ويقول كشيشيان (56 عامًا) إنه "لا يعرف مدى قرب القنابل منهم، وعلينا أن نصلي لنبقى أحياء"، على حد تعبيره.
كشيشيان، هو من الأقلية الأرمنية المسيحية، والعديد منهم هم أحفاد الناجين من عمليات القتل الجماعي التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أودت بحياة ما يصل إلى 1.5 مليون أرمني في عهد الإمبراطورية العثمانية، والتي تعتبرها عشرات الدول جريمة "إبادة جماعية".
والآن، تركت الحرب الإسرائيلية العديد من الأرمن اللبنانيين أمام خيار مؤلم: البقاء والمخاطرة بالموت أو ترك بلد يعتبرونه وطنًا.
قال كشيشيان، وهو موسيقي، إن الأرمن في لبنان لديهم تاريخ يمتد لأكثر من 100 عام وسيكون من الصعب للغاية "التخلي عن مجتمعنا وثقافتنا وممتلكاتنا هنا".
التقرير يذكر نقلا عن مسؤولين لبنانيين، أن أكثر من 2,300 شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم منذ 23 أيلول، في وقت أدت الحرب إلى تشريد أكثر من 1.2 مليون شخص، أي أكثر من خُمس السكان، في أكبر موجة تهجير في تاريخ البلاد، بحسب التقرير.
نادراً ما يغامر كشيشيان وزوجته وابنه البالغ من العمر 12 عامًا بالخروج من منزلهم في مزهر، وهي بلدة أرمنية تقع شمال شرق بيروت، ويقول كشيشيان إنه يقضي معظم يومه في تهدئة إبنه الخائف لكنه يضيف " في الواقع، مخاوفي تأكلني من الداخل".
يشير كشيشيان إلى أن الحرب الإسرائيلية في لبنان ليست مجرد حرب ضد حزب الله، الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لم يدرج سوى جناحه المسلح في القائمة السوداء، ويضيف "نحن جميعًا ضحايا - الناس العاديون، الأطفال، وكبار السن - نحن جميعًا ضحايا هذه الأفعال غير الإنسانية". بحسب تعبيره.
كان يساي هافاتييان يعتقد أنه آمن في منزله في عنجر، وهي قرية تقع على بعد حوالي 60 كيلومترًا شرق بيروت.
استقبلت القرية، التي يقطنها غالبية من الأرمن، مئات من النازحين داخليًا الفارين من قصف إسرائيل للجنوب اللبناني.
لكن هافاتييان، (64 عامًا) قال إن الحرب قد وصلت الآن إلى عتبة قريته، ويقول الأكاديمي إن هذه الحقيقة "حطمت شعورنا بالأمان عندما وصلت أصوات الانفجارات إلى آذاننا أقرب بكثير مما توقعنا، وتذكرنا برعب الحرب".
تقع عنجر، وهي قرية تاريخية تحظى بشعبية لدى السياح، على بُعد بضع كيلومترات فقط من معبر "المصنع" البري الرئيسي مع سوريا.
وشنت الغارات الجوية الإسرائيلية في 4 تشرين الاول هجومًا على المعبر، مما قطع الطريق أمام حركة المرور، وادعت إسرائيل أن حزب الله كان ينقل أسلحة عبر الحدود.
يقول التقرير إن حوالي نصف مليون شخص عبروا الحدود في الأسابيع الثلاثة الماضية، العديد منهم سيرًا على الأقدام، يحملون أطفالهم ومتعلقاتهم، هربًا من العنف في لبنان.
وُلِد هافاتييان في عنجر، ونجا من الحرب الأهلية اللبنانية من 1975 إلى 1990 ومن حرب إسرائيل وحزب الله في 2006. لكنه يقول إن الصراع الحالي مختلف، وأضاف "لقد شهدت العديد من الحروب والاشتباكات المسلحة في لبنان، لكنني لم أرَ أبدًا تدميرًا واسع النطاق أو هجمات ضد السكان المدنيين".9
وأوضح هافاتييان أن "الجنوب اللبناني مدمر تمامًا، ويبدو أن مشاهد غزة تتكرر"، في إشارة إلى الحرب المستمرة لإسرائيل في قطاع غزة.
تقول إنها سمعت على مدى الأسابيع القليلة الماضية العديد من القصص المؤلمة، وتضيف "الأمهات اللواتي ساعدناهن أخبرتنا عن معاناة أطفالهن من الصدمات، والأرق، والتقيؤ الناتج عن التوتر"، بحسب تعبيرها.
تعيش كريستين (47 عامًا) مع زوجها وثلاثة أطفال في شرق بيروت، وهي منطقة آمنة نسبيًا تقع عند سفح الجبال التي تحيط بالمدينة، لكنها أوضحت أن القصف الجوي الإسرائيلي لبيروت، المدينة التي تضم حوالي 2.5 مليون نسمة، قد أثر على الجميع.
وأضافت أن الحرب قد لا تكون موجهة ضد المجتمع الأرمني بشكل مباشر، لكن "خلال الأسابيع القليلة الماضية، عشنا في حالة من الإنذار المستمر، مدينتنا تعيش حالة من الشلل والفوضى تحيط بنا"، بحسب تعبيرها.
تخشى تانيليان-ساركيسيان أن تؤدي الحرب المتصاعدة لإسرائيل في لبنان إلى إجبارها وعائلتها على الهرب من البلاد. وإذا اضطرت الأسرة إلى الإخلاء، فوجهتها ستكون أرمينيا. وتنهي بالقول إن "لبنان هو بلدي، وقد كافح المجتمع الأرمني بشدة لبناء حياتهم هنا. ونأمل ألا نصل إلى ذلك الحد" بحسب تعبيرها. (الحرة)