ذكرت صحيفة "The Hill" الأميركية أنه "في خطاب النصر الذي ألقاه، أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب: "لن أبدأ حرباً، سأوقف الحروب"، إلا أنه لم يذكر صراحةً الوضع في إسرائيل أو أوكرانيا في كلماته. لا يتطلب الأمر عبقرية للافتراض أن الرئيس السابع والأربعين يريد تهدئة الأمور في كلتا المنطقتين. ولكن في حين يبدو أن حرب أوكرانيا وروسيا تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فإن الديناميكية على جبهات إسرائيل مختلفة، وخاصة في ما يتعلق بلبنان واتفاقية وقف إطلاق النار الناشئة، والتي تعمل الإدارة الأميركية الحالية على إعدادها".
وبحسب الصحيفة، "إن إرادة البيت الأبيض في المستقبل قد تتحقق عاجلاً وليس آجلاً، ولكن إذا استمرت على المسار الحالي عينه، فقد يفوتها بسهولة. بعد أكثر من عام من القتال المستمر، فإن الهدوء المحتمل على الحدود بين لبنان وإسرائيل أمر يستحق الترحيب، وفي الواقع، يتمنى كلا الشعبين أن يأتي يوم لا تُستخدم فيه جنوب لبنان وأجزاء من بيروت كنقطة اشتباك بين إسرائيل وحزب الله. وبهذا المعنى، فإن ترجمة العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله إلى عمل سياسي محتمل يمنح الأمل لكثيرين. ومن منظور جيوسياسي، يشير ذلك إلى التطور المرغوب من الحرب إلى الدبلوماسية".
وتابعت الصحيفة، "بالنسبة لملايين الناس في المنطقة، فإن العلاقة بين المرحلتين ليست بديهية بل هي تكافل أساسي. فالهدوء مفيد للاقتصاد، وهو أمر حيوي للروح والجسد البشريين، وعندما تعود الحياة إلى مسارها الصحيح، فمن المغري أن نتساءل كيف لم تكن كذلك من قبل. إن التفاصيل المسربة من اتفاق وقف إطلاق النار الناشئ تجسد هذه الآمال، ولكن في حين تركز وسائل الإعلام والخطاب العام بطبيعة الحال على الترتيبات العملية التي يستلزمها الاتفاق، فإنها ليست الشيء الرئيسي، ومن المرجح أن تغير التطورات السياسية والاعتبارات الاستراتيجية والتسريبات المستقبلية هذه الترتيبات وتجلب اتجاهات جديدة".
وأضافت الصحيفة، "لكن القاسم المشترك بين البنود هو ما ينبغي لنا أن ننظر إليه. ويتلخص جوهره في افتراض أن لبنان قادر على الوفاء بالتزاماته، وهذا افتراض إشكالي لأن لبنان لم يعد في السنوات الأخيرة مجرد "دولة تكافح"، بل أصبح دولة تعاني من أزمة حقيقية في كل جانب ممكن تقريبا. وبحسب تقرير جديد صادر عن البنك الدولي في أيار من هذا العام، فإن الفقر في لبنان "على مدى العقد الماضي، بلغ 44% من إجمالي السكان". وقد تبنت العديد من الأسر "مجموعة متنوعة من استراتيجيات التكيف، بما في ذلك خفض استهلاك الغذاء وخفض الإنفاق الصحي، مع عواقب وخيمة محتملة في الأمد البعيد". وتصنف حكومة الولايات المتحدة لبنان في المرتبة 139 في ترتيب الدول في ما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023. كما ويؤدي خلل النظام السياسي إلى تكثيف هذه التحديات المالية".
ورأت الصحيفة أنه "من المثير للاهتمام أن نقص الأموال ليس بالضرورة المشكلة هنا. ففي أعقاب حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل وحتى عام 2022، استثمرت الإدارة الأميركية مبلغاً كبيراً قدره 3 مليارات دولار في القوات المسلحة اللبنانية لضمان قدرتها على فرض السيادة في الجزء الجنوبي من البلاد والعمل كقوة استقرار، ولكن هذا لم يمكّنها أو يشجعها على مواجهة حزب الله ومساعدة لبنان على السير على المسار الصحيح. إن أحد الأسباب وراء ذلك هو الخوف من تمزيق النسيج الاجتماعي الرقيق في البلاد والتسبب في حرب أهلية".
وبحسب الصحيفة، "إن مثل هذه الخطة قد تكون بمثابة اتفاق يتعهد فيه محور الدول المصممة لضمان الأمن جنوب الليطاني بالمساعدة في إعادة تأهيل لبنان الذي كان ذات يوم أحد جواهر الشرق الأوسط. وقد يستند تجسيد مثل هذه الخطة إلى روح قرار مجلس الأمن رقم 1559، الذي دعا إلى احترام استقلال لبنان وسيادته وإنهاء الوجود الأجنبي والميليشيات في البلاد. عملياً، يجب أن تعمل عملية إعادة التأهيل هذه على تحييد نفوذ إيران على لبنان والجيش، بما في ذلك الرفض المؤسسي لإساءة استخدام المعابر البرية ومطار بيروت لتهريب الجنود والأسلحة الإيرانية. كما يجب أن تكون مشروطة بإدانة لبنانية واضحة ونزع سلاح حزب الله كجزء من عملية مراقبة فعالة لضمان عدم قدرته على التعافي".
ورأت الصحيفة أنه "إلى جانب الأمن، يتعين على لبنان أن يحتفظ بعنصر مالي قوي وأن يوجه خطة اقتصادية طويلة الأجل تقوم على شراكات استراتيجية مع الحلفاء الذين يرغبون في رؤية لبنان مزدهراً، وليس السيطرة على أصوله. كما عليه إدراج آليات المساءلة والعقوبات لمنع القوى الفاسدة من الاستفادة من المساعدات اللبنانية مرة أخرى. والأهم من ذلك، يتعين على لبنان أن يستلزم إدراكاً صادقاً بأن اتفاق وقف إطلاق النار المستقبلي لن يحل المشكلة بطريقة سحرية، لأن العمليات الاجتماعية تستغرق سنوات، وقد يهيئ الصدام الحالي بين إسرائيل وحزب الله الظروف لمثل هذه الخطوة".
وختمت الصحيفة، "لكن هذه ليست سوى نقطة البداية، وليست النهاية. ففي الوقت الذي يجري فيه التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، يجب أن يعبر مضمونه عن فهم للوضع المعقد الذي تعيشه لبنان كدولة، وأن يطبق آليات إعادة التأهيل الاستراتيجية وفقاً لذلك. إن التعلم من أخطاء الماضي لن يمنع الحرب المقبلة مع إسرائيل فحسب، بل إنه سيحرر لبنان أيضاً".