نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تقريراً جديداً تحدثت فيه عن إعادة تشكُّل الجغرافيا السياسية في المنطقة وذلك وسط الأحداث التي تشهدها سوريا وإثر تلقي حزب الله ضربات قاسية في لبنان خلال حربها الأخيرة مع إسرائيل وإثر انهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وفي مطلع تقريرها الذي ترجمهُ "لبنان24"، تقول الصحيفة: "تخيل أنك ترمي حصاة في بركة، ثم تشاهد التموجات وهي تنتشر إلى الخارج، وتأثيراتها تنتشر عبر المياه الراكدة إلى ما هو أبعد من المكان الذي تناثر فيه الحجر في البداية".
ووفقاً للتقرير، فإن الوصف المذكور أعلاه، يصفُ العواقب العميقة التي ترتّبت على العمليات العسكرية الإسرائيليّة ضدّ "حزب الله" والتي أدّت إلى إضعاف القوة العسكرية للأخير وخلق سلسلة من الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط، وأضاف: "النتيجة الأكثر مباشرة لتراجع قوة حزب الله هي الفرصة التي خُلقت لجماعات متطرفة للسيطرة على سوريا، فبقايا تنظيمي داعش والقاعدة والفصائل المدعومة من تركيا وأبرزها جماعة هيئة تحرير الشام، استغلت الفرصة للتقدم على نحو دمشق".
ماذا عن روسيا؟
وأردف: "إن ما يزيد من تعقيد هذا الوضع المتقلب هو انشغال روسيا المستمر بأوكرانيا. فمع تركيز موسكو على الجبهة الأوروبية، أبدت اهتماماً ضئيلاً بكبح جماح النفوذ التركي المتزايد في سوريا، وخاصة دعمها لهيئة تحرير الشام. لقد أدى هذا النهج المتسم بعدم التدخل من جانب روسيا، وهي لاعب رئيسي في الصراع السوري، إلى خلق فراغ في السلطة من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار المنطقة".
كيف أثرت هدنة لبنان على سوريا؟
كذلك، اعتبر التقرير أن الهدنة التي أبرمتها إسرائيل مع "حزب الله" لمُدّة 60 يوماً، أثبتت أهميتها، وقال: "رغم أنَّ الهدنة قصيرة الأمد، فإنَّ الضربات التي تلقاها حزب الله غيرت الحسابات العسكرية في سوريا. لقد أصبح الحزب، الذي كان ذات يوم من المؤيدين الأساسيين لنظام بشار الأسد، أقل قدرة على توفير الدعم لسوريا، الأمر الذي شجع جماعات المعارضة وحوّل ميزان القوى نحو المتمردين والمتطرفين".
ماذا عن الأكراد؟
مع هذا، يقول التقرير أيضاً: "الآن، أصبح بقاء منطقتين ذات أغلبية كردية في حلب، الأشرفية والشيخ مقصود، على المحك. لقد باتت هذه الأحياء التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، ملاذاً للعديد من العرب النازحين بسبب هجوم هيئة تحرير الشام".
وأكمل: "لقد استضافت هاتان المنطقتان بالفعل لاجئين فروا من احتلال تركيا لمدينة عفرين في العام 2018. كذلك، أرسلت قوات سوريا الديمقراطية تعزيزات إلى هاتين المنطقتين للدفاع عن الناس هناك. إن سقوط دمشق سيكون له تداعيات تتجاوز أسوار المدينة، حيث سيمثل ضربة كبيرة للحكم الذاتي والاستقرار الكردي".
وأضاف: "مع تكثيف العمليات العسكرية التركية، هناك قلقٌ مُتزايد بشأن مستقبل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. ومع سقوط نظام الأسد، من المرجح أن يتحول التركيز إلى كوباني، رمز الصمود الكردي في مواجهة داعش. تاريخياً، سعت تركيا إلى توسيع نفوذها في كوباني، المدينة التي كانت تحت حصار داعش لمدة 134 يوما قبل أن تتمكن القوات الكردية، بدعم من الولايات المتحدة، من كسر الحصار هنا".
وتابع: "الآن، تكتسب العمليات العسكرية التركية ضد الأراضي الكردية زخماً مرة أخرى، وخاصة في منبج، ومن المرجح أن تشتد تحسباً للتغيرات السياسية المحتملة في الولايات المتحدة لاسيما مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. ويضيف دعم ترامب السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضوءه الأخضر لتركيا لاحتلال أجزاء من روج آفا طبقة أخرى من عدم القدرة على التنبؤ بالموقف".
وأكمل: "بالنسبة للأكراد، فإن أي تآكل إضافي لسلامتهم الإقليمية واستقلالهم السياسي من شأنه أن يضعف موقفهم في الشرق الأوسط الأوسع، مما قد يؤدي على الأرجح إلى تراجع تطلعاتهم إلى تقرير المصير".
ماذا عن إسرائيل وأميركا؟
وقال: "لن تظل إسرائيل أيضاً بمنأى عن هذه الديناميكيات المتغيرة، وربما يعود تراجع القوة العسكرية لحزب الله بفوائد فورية على إسرائيل من حيث الحد من التهديد الذي تشكله القدرات العسكرية للحزب".
وأردف التقرير: "إن التداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً واضحة، فقد يؤدي تحول ميزان القوى في سوريا إلى تحالفات وتنافسات جديدة. كذلك، فإنه مع ضرب وكلائها في لبنان وغزة وسوريا والعراق، تراجع نفوذ إيران".
وتابع: "في ظل هذه البيئة المتقلبة، يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تظلا في موقع المتيقظ والقادر على إعادة تقييم الاستراتيجية الإقليمية".