دعا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى "الجميع إلى التعامل بإيجابية مع الواقع الجديد، وعدم وضع الحواجز والعراقيل أمام المرحلة الحكومية الجديدة والدفعِ بها إلى الوراء"، آملا "التوجه الصادق والعزم الصارم والتضامن الواضح لتحقيق الإنجازات خطوةً خطوة".
كلام شيخ العقل جاء خلال ترؤسه جلسة الهيئة العامة للمجلس المذهبي التي انعقدت في دار الطائفة في بيروت اليوم، لمناقشة واقرار الموازنة السنوية العامة، وشؤون داخلية ذات الصلة، بحضور اعضاء المجلس وفي مقدمتهم وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال القاضي عباس الحلبي، النائب هادي ابو الحسن والنائب السابق أنور الخليل.
استهل الشيخ ابي المنى الاجتماع بكلمة تناول فيها قضايا وطنية وداخلية، جاء فيها:
"نلتقي اليوم في جلسة عادية لمناقشة الموازنة العامة للمجلس المذهبي للعام 2025 وإقرارها، وللاطّلاع على موازنة مشيخة العقل وتصديقها، ولكنّنا في أجواء ما حصل ويحصل في بلادنا والجوار لا بدَّ لنا، ومن هذا الموقع التوحيديِّ الأوّل، إلَّا أن نُعرِّجَ على بعض القضايا الحاصلة، أكان على مستوى الطائفة، أم على المستوى الوطني، أو الإقليمي".
اضاف: "على الصعيد الوطني لا يسعُنا إلَّا أن نهنِّئ جميع اللبنانيين بانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وأن نهنِّىء فخامة الرئيس بخطاب القسم الذي أوحى بالثقة والأمان، وبتكليف السفير القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة دون تباطؤٍ وتردُّد، ما يبشِّرُ بانطلاقةٍ واعدة للعهد الجديد، على أمل أن يتم اختيار الوزراء الذين يتميَّزون بإمكانياتٍ علمية وأخلاقية ووطنية، ومن نخبة المجتمع اللبناني وأطيافه المتنوِّعة، ليكونوا فريقاً متجانساً متوجِّهاً بكُليَّته لمعالجة المشاكل العالقة وإعادة بناء مؤسسات الدولة والنهوض بها وإرساء الصيغة الوطنية التي تحفظ حقوق الأفراد والجماعات وتطبيق الميثاق والتمسّك باتفاقية الهدنة".
وتابع: "وإذ نستبشر خيراً بهذه الإطلالة الوطنية الرسمية الجديدة التي تحمل روحَ الالتزام بثوابت الوحدة الوطنية والعيش المشترَك، وروحَ التغيير إلى ما هو أحسن، فإننا ندعو الجميع إلى التعامل بإيجابية مع هذا الواقع الجديد وعدم وضع الحواجز والعراقيل أمامه والدفعِ به إلى الوراء، وإذا كنّا لا ننتظر المعجزات أن تحصلَ بين ليلةٍ وضُحاها، إلا أننا نعقد الأملَ الكبيرَ على التوجُّهِ الصادق والعزم الصارم والتضامن الواضح لتحقيق الإنجازات خطوةً خطوة، على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وعلى مستوى العلاقات العربية والدولية واستعادة الثقة بلبنان".
واردف: "أمَّا على صعيد الداخل، فنحن حريصون على التكامل والتعاون مع القيادة السياسية لما فيه حفظُ هوية الطائفة وتراثها التوحيديّ الأصيل، وتأكيد ارتباطها بجذورها العربية والإسلامية، ورفض أي مخطّطٍ لتشويه حقيقتها التاريخية، أكان في لبنان أم في سوريا وفي كلِّ بلاد الشام، عاملين بكل ما أوتينا من عزمٍ وحكمةٍ لصون حقوقها وتثبيت دورها الجامع وحضورها الوطني المؤثِّر. ومما لا شك فيه أن مجلسنا معنيٌّ بالبناء التوحيدي ونهضة الطائفة كجزءٍ من بناء الوطن ونهضته، وقد وضعنا لذلك عدةَ مداميكَ وأفكارٍ لبناء صروح النهضة المتوخّاة، حال دون تحقيقِها عددٌ من العوائق، من تراكمِ الأزمات وانهيارِ الاقتصاد وقلّةِ الموارد إلى الإنفاقِ على المساعدات الضرورية وعدمِ القدرة على استثمار الأوقاف في ظل الظروف التي مررنا بها، ولكنَّنا نرى أن الوقتَ قد حان للانطلاق، مع انطواء صفحة الحرب ومع بزوغ فجر عهدٍ جديد، في رحلة سعيٍ وعملٍ دؤوب لتحقيق ما صبَونا ونصبو إليه من مشاريعَ وإنجازات في جميع المجالات اجتماعياً ودينياً وثقافياً واغترابياً، وعلى صعيد الأوقاف والأمور الإدارية والمالية والصحية والبيئية والعلاقات العامة، من قِبَل مجلس الإدارة ولجان المجلس المختصّة، وبرعاية دائمة من مشيخة العقل الحريصة كلَّ الحرص على مأسسة العمل ودعمه وإنجاح خطواته".
وقال: "في المجال الاجتماعي، نحن حريصون على تطوير العمل المتعلِّق برعاية الأسرة المعروفية ومعالجة مشاكلها، وبدعم الأسَر الفقيرة المحتاجة، وقد أصبحنا على قاب قوسين أو أدنى من الحصول على العلم والخبر لجمعية "سند للتعاضد الاجتماعي"، وكذلك بالعناية الاستشفائية، وعلى الأخصّ من خلال مراكز الرعاية الأولية، وباكورتها كانت في عاليه، وما استحداث لجنة الصحة والبيئة إلّا محاولة لتفعيل هذا الدور والمساهمة في التوعية والعناية ورفع مستوى الاهتمام بما يضمن سلامة المجتمع والبيئة".
واضاف: "في موضوع الأوقاف هناك مساران للاستثمار، إمّا من خلال المباشرة بمشاريع ضمن الإمكانيات المحدودة للمجلس، والتي لم نتمكن من تخصيص مبالغ مقبولة لها في الموازنة، والعمل على الاستعانة بجهات مانحة لإطلاقها، أو من خلال الاتفاق مع مستثمرين لإقامة مشاريع منتجة والحصول على نسبة مئوية من الريع، وقد تكونت لدينا خطة عمل لإطلاق بعض المشاريع مع شركاء ومساهمين مقتدرين، وتأتي من ضمنها اتفاقيات الشراكة الدرزية - المسيحية التي نحاول تنظيمها في الجبل، بحيث سيتمّ عرضُها مفصّلةً على مجلس الإدارة لاتّخاذ القرار المناسب، كما يمكن للجنة الأوقاف إطلاق مشاريعِها الممكنة، كمشروع تنصيب أشجار الصنوبر مثلاً في بعض العقارات المناسبة (عقار حاصبيا ومساحته 218 ألف م2)، ومشروع استصلاح وترميم أبنية عالية بالتعاون مع مستثمرين، ولا ننسى في هذا الإطار ما قدَّمه الشيخ رياض عطالله من تبرع مشروط لتنمية الأوقاف (145000$).
وتابع: "في المجال الديني والثقافي يتم العمل لإعادة تفعيل موضوع مراكز الثقافة التوحيدية في المناطق بالتعاون بين مشيخة العقل واللجنة الدينية، حيث بوشر باستئناف العمل في عددٍ منها وافتتاح مراكز جديدة، إضافةً إلى وضع خططٍ لاستكمال التعليم الديني في المدارس الرسمية، ولإصدار بعض المنشورات التثقيفية، ولإقامة سلسلة ندوات ثقافية ودينية، وتكريم مستحقين، والعمل على تحديث مجلة الضحى وإعادة إصدارها بعد توقُّفٍ قسري نتيجة الأوضاع الصعبة التي مرَّت، أمنياً ومادياً، بحيث سيكون هناك اهتمام خاص بالإصدار الإلكتروني كذلك للوصول إلى شريحةٍ أوسع، في لبنان وسوريا وغير مكان وإلى بلاد الاغتراب، فتكون منبراً جاهزاً لنشر الثقافة التوحيدية والتاريخية والتراثية والرؤية الحوارية والإنسانية والنظرة المستقبلية للطائفة، وللردّ على الافتراءات والتشويه والتزوير الذي تحاول بعض الأقلام والألسنة، من خارج الطائفة ومن الداخل، بثَّه في الإعلام ووسائل التواصل وعبر صفحات الأسماء الوهمية المأجورة التي تنمُّ عن حقدٍ دفين أو مخطّطٍ لعين، ربَّما يكون بعضُ عمَّالِه الخبثاء من جهاتٍ معروفةِ الولاء، وبعضُهم الآخر من صغار النفوس المرتزقةِ الضعفاء".
واردف: "في مجال الاغتراب ننتظر وضعَ خطةٍ شاملة تُحصي المنتشرين عبر العالم وتتفقد أوضاعهم وتتواصل مع جمعياتِهم وتنظّم شؤونهم وتحافظ على هويتهم وتربطُهم بجذورهم وتستفيدُ من طاقاتهم ودعمِهم، فهم يزدادون قوةً بنا ونحن نحتاجُهم لتقوية مؤسساتنا ودعم برامجِ عملِنا، وما أنجزناه حتى اليوم من احتفالات تكريمٍ وتواصل لا بأس به، إنَّما لم يرقَ بعد إلى درجة الرعاية الكاملة والترابط المتين".
وقال: "إداريّاً، واجهنا مشكلة استئجار مركز المديرية العامة من قبل الدولة ومطالبة أصحاب الملك بزيادة قيمة الإيجار، وما زالت الحلول آنيّة، مما يطرح الحاجة إلى التفكير ببناء خاص للمجلس يضم المديرية والمحاكم في بيروت، كما نتطلَّع إلى استتباب الأوضاع لعودة العمل الطبيعي في الإدارات، والأهمّ من ذلك، انتظامُ عمل الدولة والسماح بملء الشواغر حيث أنه لدينا أكثر من 20 مركزاً شاغراً في المديرية العامة وفي المشيخة، بالإضافة إلى وظائف ضرورية وغير ملحوظة في القانون، ما يرتِّب علينا حوالى 10 آلاف دولار شهرياً لموظفين متعاقدين.
ماليّاً، نعمل وفق مبدأ إدارة السيولة، أي نُنفق بقدر ما لدينا لا أكثر، وما لدينا لا يكفي لسدّ عجز الموازنة، لذا فإننا نحتاج إلى الدعم والتبرُّع في ظل محدودية مداخيل الأوقاف، آملين أن تُحلّ مشكلة الودائع فيُفرَج عن أكثر من مليون ومئتي ألف دولار لحساب المجلس، كما نأمل أن نتمكن من تفعيل الصندوق الخيري الإنمائي الذي توافقنا عليه في المجلس والمشيخة كصندوق موحَّد لجمع التبرعات، وهذا ما يحتاج إلى تنظيم وإحصاء وتواصل وإلى مشاركة الجميع وإبداء الحماس لتوجيه الميسورين وزرع الثقة في قلوبهم وعقولهم للتزكية عن أموالهم والتبرُّع لهذا الصندوق الخيري والإنمائي، الذي نأمل أن يصبح الصندوق الأول في الطائفة التي تصبُّ فيه التبرُّعات والوصايا ويُقصد الأجرُ من وراء دعمه باندفاع وسخاء.
قانونياً، لدينا العشرات من القضايا والمطالعات في الجعبة القانونية، لتحرير بعض الأوقاف من شاغليها ولتعديل القيمة التأجيرية، وللبتّ بالمنازعات حول بعضها، ولتقديم الرأي القانوني لأوقاف القرى والعائلات التي لا نستفيد من ريعها بشيء، بل فقط نتحمّل مسؤولية رعاية لجانها والمساعدة في حلّ مشاكلها. كما نتطلّع إلى دور قانوني في المساهمة بكل ما يتعلق بمؤسسات الطائفة وجمعياتها لجهة الإشراف عليها وضبط أوضاعها بحسب ما ينصُّ عليه القانون".
أمّا في موضوع التواصل والعلاقات العامة في المجتمع التوحيدي، فالعمل لا يتوقَّف، والقضايا الاجتماعية والعائلية والسياسية تحتاج إلى متابعة يومية، وكذلك يحتاج المجلس إلى توثيق علاقته بالمجتمع، توضيحاً وشرحاً ونقاشاً وإصلاحاً، وإلى تأكيد التكامل بين المجلس ومؤسسات الطائفة والعائلات في المناطق كافةً، إضافةً إلى عملنا في مشيخة العقل وما يفرضُه واقعُ الطائفة والواقعُ الوطني والقضايا المتشعبة والعلاقات العامة على اختلاف مجالاتها الدينية والاجتماعية والوطنية والطائفية من جهدٍ وتضحية وإمكانيات".
وقال: "كلُّ ما ذكرناه يتطلَّبُ بالإضافة إلى الجهد والمتابعة، إمكانياتٍ ماديَّةً لا يُستهانُ بها، إلا أننا نعمل بموازنة الحدِّ الأدنى ونتطلَّعُ إلى انفراجٍ قريب وننتظر الدعمَ والمساندة والتمكنَ من إطلاق المشاريع الاستثمارية، وكلُّنا ثقة بأن المستقبل سيكون أفضل، وذلك رهنٌ باستقرار الوطن ونهوض الدولة، وبتعزيز الثقة بمجلسنا وبدوره، لا التشكيك به وبأهميّته، وباستقطاب الطاقات ومقاربة القضايا بتفاهمٍ وتعاونٍ وتكامل مع القيادة السياسية ومع بعضنا بعضاً ومع المجتمع، والله وليُّ التوفيق".
بعد ذلك، جرت مناقشة بنود موازنة المجلس المذهبي واقرارها وكذلك تم التصديق على موازنة مشيخة العقل.