ألقى
العلامة السيّد
علي فضل الله خطبتي
صلاة الجمعة، على منبر
مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسن(ع) ذلك
الرجل الذي قال له: إني من شيعتكم، فقال له: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتَ لَنَا فِي أَوَامِرِنَا وَزَوَاجِرِنَا مُطِيعاً فَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنْ كُنْتَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا تَزِدْ فِي ذُنُوبِكَ بِدَعْوَاكَ مَرْتَبَةً شَرِيفَةً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، لَا تَقُلْ لَنَا أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ، وَلَكِنْ قُلْ أَنَا مِنْ مَوَالِيكُمْ وَمُحِبِّيكُمْ وَمُعَادِي أَعْدَائِكُمْ، وَأَنْتَ فِي خَيْرٍ وَإِلَى خَيْرٍ".
لقد أراد الإمام(ع) من خلال ذلك أن يشير إلى أن
التشيع ليس انتماء وعاطفة أو مشاعر نبديها لأهل البيت(ع)، بقدر ما هو
التزام بسلوكهم ومواقفهم وعملاً بأهدافهم، فالشيعي هو من ينتهج في عبادته عبادتهم وفي أخلاقه أخلاقهم، وفي منطقه منطقهم، وفي حلمه حلمهم وفي كرمه كرمهم ومن يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مضحياً في سبيل الله كما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وكما ضحوا وبذلوا مهجهم في سبيل الله.
ومتى فعلنا نحن ذلك وعملنا به سنستحق أن نكون من شيعتهم وسنكون عندها قادرين على مواجهة التحديات.".
وقال:"البداية من العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والمس بسيادته، والذي نشهده في الغارات التي يستهدف بها عمق المناطق اللبنانية في الجنوب وفي البقاع أو في عمليات الاغتيال والتمدد في الشريط الحدودي، فبعد الحديث عن خمس نقاط تمركز فيها العدو بات الحديث عن عشر نقاط يحتلها ولم يسلم من استهدافه الجيش اللبناني يأتي كل ذلك على مرأى ومسمع اللجنة المكلفة بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والدول الراعية له، من دون أن يصدر عنها أي موقف إدانة لهذا العدو أو أية إجراءات رادعة توقف هذه الاعتداءات"
ورأى إن "مثل هذا الصمت يشجع هذا العدو الاستمرار بالبقاء في المناطق التي يتمركز فيها وحتى التمدد خارجها على لسان رئيس وزراء العدو، حين قال أنه لن يتنازل عن السيطرة عن المواقع الخمس التي يحتلها وأن سياسته الهجومية التي يقوم بها لا تقتصر على سوريا بل على لبنان أيضاً".
اضاف:" وليس بعيداً عما يجري، يأتي تصريح نائبة المبعوث الأميركي بإنشاء مجموعات عمل ديبلوماسية لحل المشكلات الحدودية مع العدو، والتي وإن كانت تبدو أمراً إيجابياً يعالج أزمة النقاط المختلف عليها بين لبنان والكيان الصهيوني، ولا سيما أنه استبق بمبادرة اعتبرت كحسن نية بإعادة عدد من المدنيين الذين اختطفهم العدو من داخل الأراضي اللبنانية، لكنها تحمل الخطورة لكونها تخفي نية مبيتة سرعان ما أظهرها المسؤولون الأميركيون حين تحدثوا عن لعمل على إلحاق لبنان بمسار التطبيع الذي يُعمل له على صعيد المنطقة، وذلك من خلال نقل المفاوضات التي كانت تجري إلى الجانب السياسي، وستكون لمصلحة الكيان الصهيوني وبالشروط التي يريدها بفعل الضغوط التي لا يزال يمارسها الكيان الصهيوني على هذا البلد، والتأييد الذي يحظى به".
وتابع:"إننا أمام كل ما يجري، نعيد التأكيد على الدولة اللبنانية إلى القيام بمسؤوليتها لمواجهة الاعتداءات الصهيونية وعدم السكوت عليها، والحذر مما يبيته هذا العدو وممارسة كل الضغوط على الدول الضامنة للاتفاق بالقيام بدورها وعدم تحويل ما يجري إلى أمر واقع وطبيعي، والتشديد على أن لا يتم التعامل مع هذا البلد من موقع أنه المهزوم وإملاء القرارات التي تمس بسيادته وأمنه، فلبنان ليس ضعيفاً، ولا ينبغي أن يتم التعامل معه من هذا الموقع، بحيث لا يحقق العدو أهدافه من طريق الديبلوماسية الباردة بعدما فشل في تحقيقها من خلال الحرب الحارة"، منوها "بالموقف الرسمي الرافض للتطبيع وكل ما يؤدي إليه، وإبقاء أية مفاوضات إن هي جرت في إطارها الأمني والتقني لا السياسي".
اضاف:" إننا لا ننكر حجم الضغوط التي تمارس على لبنان ونعي مدى مخاطرها، ولكن ذلك لا يدعو للرضوخ بقدر ما ينبغي العمل على مواجهة ذلك واستنفار كل عناصر القوة التي يمتلكها لبنان.
ونحن على هذا الصعيد، ندعو مجدداً إلى تعزيز الوحدة الداخلية لمواجهة أية ضغوط تمارس على الدولة وعدم إدخال البلد بأية طروحات قد تهدد وحدته أو إفقاده أي عنصر من عناصر القوة، وإنه من المؤسف أن تتم الدعوة من قبل من هم في الحكومة بسحب سلاح المقاومة، في الوقت الذي لا يزال فيه العدو يشهر سلاحه في مواجهة هذا البلد ويمس بسيادته يومياً".
واردف:"إننا لن نمانع بالحديث عن هذا السلاح في داخل الحكومة، لكن هذا يأتي بعد أن يكف هذا العدو عن تهديده لهذا البلد ويزيل احتلاله الجاثم عليه، إننا نريد أن تكون الأولوية لدى الحكومة بالمطالبة بنزع سلاح العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية وانسحابه منها وإزالة كل التداعيات التي نتجت من عدوانه وإعادة إعمار ما تهدم".
وتابع:"نصل إلى سوريا التي شهدت في الأيام الماضية فصلاً جديداً من فصول العنف والقتل والمجازر، في توجه يناقض إعلان السلطات الجديدة بأنها تعمل لجمع شمل السوريين ووحدة البلد تحت سقف القانون وبعيداً من الحسابات الطائفية أو العرقية وغيرها، الأمر الذي ألقى مزيداً من التشكيك ببناء دولة القانون والتحرر من التحيز لأي عصبية أو مكون سياسي أو طائفي، وهو ما لا يخدم الاستقرار الذي نريده لهذا البلد...
ومن هنا وانطلاقاً من حرصنا على هذا البلد وشعبه، فإننا نؤكد على العمل الجاد على محاسبة جادة لكل من تورط في هذه الجرائم التي طاولت المئات من الأبرياء والعزل حتى لا تتكرر، والعمل لمعالجة كل الذيول الخطيرة الناجمة عنه، وإعادة الاطمئنان إلى المناطق المنكوبة لاستعادة الوحدة الوطنية السورية، وصولاً إلى استعادة الثقة بالحكومة، وما يمنع العدو الصهيوني من أن يدخل على خط الأقليات والتهميش والتلاعب بوحدة سوريا، وهو الذي لا يكف عن العبث بأمنها وقوتها والعدوان المستمر عليها":
واضاف:" نصل إلى فلسطين المحتلة حيث يواصل العدو عدوانه على غزة من خلال الحصار المفروض عليها واستهداف المدنيين، رغم قرار وقف إطلاق النار فيما يستمر هو بالمماطلة للمرحلة الثانية من الاتفاق الذي يدعو إلى مبادلة ما تبقى من الأسرى مقابل التوقف النهائي للحرب والانسحاب الكامل من غزة، في وقت يستمر معه هذا العدو باستهدافه لمدن ومخيمات الضفة الغربية والتدمير الممنهج لها سعياً لتهجير أهلها أو الرضوخ لكيانه.
ونحن أمام ما يجري، ندعو دعوتنا إلى وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة هذه الحرب الساعية لاقتلاعه من أرضه، ما يتطلب الكف عن القيام بأي خطوات تؤدي إلى اشتعال فتنة في داخله، كما نتطلع إلى الدول العربية والإسلامية أن تفي بوعودها التي قطعتها في القمة الأخيرة بالقاهرة وتقف إلى جانب هذا الشعب على مستوى
الموقف وعدم الاكتفاء بالمقررات والكلمات".