Advertisement

لبنان

ملف النزوح السوري: أزمة وطنية وحسابات سياسية متشابكة

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
29-04-2025 | 12:30
A-
A+
Doc-P-1353334-638815165637974580.jpg
Doc-P-1353334-638815165637974580.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
منذ اندلاع الحرب السورية، شكّل ملف النزوح السوري إلى لبنان أحد أعقد وأخطر التحديات التي واجهها البلد الصغير بأزماته المزمنة. ومع مرور السنوات، لم يعد النقاش حول هذا الملف رفاهية سياسية، بل بات مسألة وجودية ترتبط بمصير الكيان اللبناني وهويته ودوره.
Advertisement

في هذا السياق، أعاد رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل تسليط الضوء على المخاطر الكامنة في استمرار بقاء مئات آلاف النازحين السوريين فوق الأراضي اللبنانية، حيث استند إلى استبيان أجرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شباط 2025، أظهر أن غالبية السوريين النازحين مستعدون للعودة إلى سوريا إذا ما توفرت الخدمات الأساسية. وهو استبيان ينسف عملياً الذرائع التي كانت تتحدث عن "خطر العودة"، خاصة وأن التطورات الميدانية في سوريا، وعلى رأسها سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة البلاد، ألغت إلى حدّ بعيد مبررات الخوف الأمني.

في الواقع، لم يعد هناك اليوم من يتحدث جدياً عن عدم أمان العودة، بل بات النقاش الحقيقي يتمحور حول الإغراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع النازحين للبقاء في لبنان رغم انتهاء دوافع اللجوء السياسي. وفي خلفية هذه الأزمة، تسربت معطيات مقلقة عن مشاريع مشبوهة تهدف إلى دمج جزء من النازحين السوريين في المجتمع اللبناني قسراً، مع تحريك ملفات قديمة حول تجنيس سوريين وتوطين لاجئين فلسطينيين، وهي معطيات تكشف نية مبيتة لإحداث تغيير ديموغرافي خطير يهدد بتفكيك البنية اللبنانية وإلغاء أي توازن سياسي أو اجتماعي تاريخي.

إزاء هذا المشهد، بدت مواقف باسيل في هذا الملف تعبيراً عن قلق وطني مشروع، بعيداً عن الاصطفافات السياسية. إلا أن موقفه لم يأت بمعزل عن أزمة سياسية يعيشها الرجل، بعد أن وجد نفسه معزولاً سياسياً إثر تشكيل حكومة نواف سلام، الذي كان قد تلقى، بحسب ما تردد، دعماً حاسماً من باسيل لتسميته غي مقابل وعود سياسية مرضية. غير أن سلام، بعد تثبيته في السراي  الحكومي، تنصّل من تلك الوعود، تاركاً باسيل وتياره خارج المعادلة .

هذا التراجع السياسي الحاد لباسيل دفعه إلى التركيز على معارك ميدانية أكثر التصاقاً بالناس، مثل الانتخابات البلدية المقبلة، التي تشكّل محطة محورية لقراءة الأحجام السياسية وبناء الاصطفافات تحضيراً للانتخابات النيابية. في هذا السياق، يمكن فهم التصعيد في خطاب باسيل حول النزوح، ليس بوصفه موقفاً مبدئياً فقط، بل أيضاً كرهان سياسي لاستعادة جزء من القاعدة الشعبية التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة.

وفي موازاة ذلك، تجري مشاورات بين الحكومة اللبنانية والسلطات الرسمية في دمشق حول آلية عودة النازحين، إلا أن هذه المشاورات تبدو حتى الآن محاطة بالغموض الشديد وسط غياب جدول زمني واضح، الأمر الذي يزيد القلق من تحول الملف إلى أداة ضغط إقليمي على لبنان بدل أن يُحلّ بشكل عادل ومتوازن.

من هنا، وبعيداً عن تقييم أداء باسيل السياسي في مجالات أخرى، فإن موقفه من أزمة النزوح يتقاطع مع مصلحة لبنان الوطنية العليا، فالدفاع عن حق لبنان في استعادة أمنه الاجتماعي وهويته السكانية لا يمكن تصنيفه في خانة الحسابات الانتخابية فقط، بل هو ضرورة وطنية تتجاوز الحسابات والمزايدات الآنية.

أزمة النزوح السوري لم تعد شأناً إنسانياً بحتاً، بل باتت معركة مصيرية على وجود لبنان نفسه. لذلك، لا بد من مقاربة هذه المسألة بالجدية القصوى، بعيداً عن المحسوبيات والارتهانات الخارجية، قبل أن يصبح لبنان رهينة واقع ديموغرافي جديد يصعب تعديله لاحقاً مهما كانت التنازلات. 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast