تحت عنوان هل تقدم الحكومة على التشاور مع المسؤولين الفلسطينيين لمواجهة التوطين؟، كتبت دوللي بشعلاني في "الديار"، بعد إقرار الموازنة العامّة، ثمّة ملفّان ملحّان سيفرضان نفسيهما على الحكومة اللبنانية، يجب أن تعمل على دراستهما بجديّة بهدف التصدّي لهما ومواجهتهما وهما: "خطر توطين اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لما يُعرف بـ "صفقة القرن" التي تتهيّأ الإدارة الأميركية الى إعلان الشقّ الإقتصادي منها في حزيران المقبل، و"مواجهة القرار الغربي الأميركي وبعض دول الخليج بمنع عودة النازحين السوريين بسبب الإنتخابات السورية"، على ما أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير منذ أيّام.
ولهذا فإنّ المديرية العامّة للأمن العام ستستأنف قريباً عملية إعادة النازحين السوريين الى بلادهم التي سبق وأن بدأتها في تموز من العام الماضي بالتعاون مع البلديات وبعض الأحزاب السياسية، وقد وصل عدد العائدين الى ما يُقارب الـ 174 ألف نازح. لكن يبقى على الحكومة مجتمعة أن تجد الحلّ النهائي لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم وتضيف أعباء هائلة على كاهلها، على ما ذكرت مصادر سياسية مطّلعة، خصوصاً وأنّ الفرصة مؤاتية لذلك. وأشارت الى أنّ الولايات المتحدة تصبّ اهتمامها في هذه المرحلة بالذات على أمرين:
1- التمهيد لقبول المجتمع الدولي بـ "صفقة القرن" رغم أنّها تقضي على حلّ الدولتين، وهذا ما لا يُوافق عليه هذا الأخير لأنّ التوصّل الى "حلّ الدولتين جنباً الى جنب" استلزم منه جهوداً ومؤتمرات عدّة على مدى سنوات، على أنّه الحلّ الوحيد العادل لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ولهذا تسعى لإنجاح مؤتمر المنامة في البحرين الذي سيُعقد يومي 25 و26 حزيران المقبل بعنوان "السلام من أجل الإزدهار" الذي ستُعلن خلاله الشقّ الإقتصادي من الصفقة، وذلك من خلال جلب الإستثمارات والمشاريع وفرص العمل للفلسطينيين في الأراضي المحتلّة كما في لبنان والأردن ومصر، أي حيث هم اليوم.
2- رعاية المفاوضات بين لبنان والعدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البريّة والبحرية، عن طريق التحرّك المكوكي الذي يقوم به مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد في المنطقة، منذ أسابيع، وذلك لعدم عرقلة استفادة الجانب الإسرائيلي من الثروة الطبيعية الموجودة في المنطقة البحرية المتجاورة.
أمّا موضوع مساعدة لبنان على إعادة النازحين السوريين فيه الى بلادهم، فتُظهر الولايات المتحدة خلال محادثات موفديها مع المسؤولين اللبنانيين أنّها لا تُعارضه لكنه يحتاج الى الظروف الملائمة وغير المتوافرة الآن، بحسب وجهة نظرها. ولكنّها في الواقع تعمل على عرقلة هذه العودة، كونها ترفضها حالياً لأسباب سياسية وليس إنسانية، وذلك عبر إثارة الخوف في نفوس النازحين الراغبين بالعودة من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان بحجّة أنّها تريد عودة آمنة وكريمة لهم غير محفوفة بالمخاطر.
من هنا، فإنّه على الحكومة التحرّك سياسياً وديبلوماسياً لإعادة التأكيد على الموقف اللبناني الرافض للتوطين، على ما عقّبت المصادر، فضلاً عن ضرورة التشاور مع المسؤولين الفلسطينيين في لبنان الذين يرفضون «صفقة القرن» ويُطالبون بحقّ العودة، توصّلاً الى موقف لبناني- فلسطيني موحّد بشأنه. وتقول المصادر بأنّ واشنطن لا يُمكنها أن تفرض "التوطين" على لبنان فيما يكرّسه الدستور اللبناني بشكل قاطع في مقدّمته عبر اللاءات الثلاث "لا للتجزئة، لا للتقسيم، لا للتوطين"، ولأنّه ثمّة إجماع سياسي وشعبي على رفضه. علماً أنّ العدو الإسرائيلي لا يعترف بـ «حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم» الذي ينصّ عليه القرار 194 (في العام 1948) وقرارات أخرى ذات الصلة، حتى أنّه لم يتطرّق اليه خلال العقود الماضية، بل على العكس يعمل على نسفه برمّته ويرفض دفع أي تعويضات عن الممتلكات للذين يقرّرون عدم العودة الى وطنهم، وعن كلّ مفقود أو مُصاب بضرر.
كما على الحكومة التوافق على وضع خطة شاملة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم في أسرع وقت ممكن، وأن تتخذ موقفاً موحّداً من هذه المسألة فيما يتعلّق بالتشاور مع السلطات السورية من أجل تسريع عودتهم، كما الإستمرار في مطالبة المجتمع الدولي بمساعدتها على حلّ هذه المشكلة. وتقول المصادر نفسها بأنّه يُمكنها الأخذ بالإعتبار توصيات المؤتمر الذي عُقد في آذار الفائت بعنوان "لبنان والنازحون من سوريا" (الحقوق والهواجس وديبلوماسية العودة)، أو الإنطلاق منها سيما وأنّه شارك فيه أساتذة في الحقوق والعلوم السياسية وباحثون من مؤسسات دولية ومدنية ومراكز للدراسات، ومن جامعتي اليسوعية والأميركية، فضلاً عن مساهمة مفوضية اللاجئين فيه، لما فيها من مقاربة شاملة وعملانية لحلّ أزمة النازحين في لبنان. ونصّت هذه التوصيات على «ضرورة إقرار خطة وطنية شاملة بشأن عودة النازحين السوريين الى بلادهم، تُشكّل الأساس السياسي والعملي لنشاط الحكومة والوزارات المعنية به. فضلاً عن ضرورة إعادة إمساك الحكومة بهذا الملف ووقف كلّ أشكال التدخّلات، والتأكيد على دور الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين في رعاية العودة، والنظر الى مسألة الضمانات ومعايير الأمان المتعلّقة بالعودة مع الجهات المعنية في سوريا. كما نصّت على أنّ الأساس في عودة آمنة وكريمة للنازحين يكمن في القيام بإجراءات حقيقية تُتخذ في سوريا تدفع الى التحفيز والتشجيع على العودة عن طريق إزالة كلّ العوائق من أمامها. وهنا يكمن دور المبادرة الروسية في تأمين الضمانات المطلوبة والضغط لتأمين هذه العودة. علماً أنّ هذه المبادرة لا تزال تقوم بعملها وقد تمكّنت منذ 18 تمّوز الماضي حتى اليوم من إعادة 238000 نازح من كلّ من لبنان (83216) ومن الأردن (154784).
وأوردت توصيات الخبراء بأنّ تأمين عودة النازحين تستدعي حلاً سياسياً عادلاً في سوريا أولاً، يقوم على ضمانات دولية، وإعلان صريح من قبل السلطات السورية عن ترحيبها وتسهيلها وضمانها لعودة النازحين. وفي ظلّ غياب هذا الحلّ، يبقى دور الأمم المتحدة التواصل مع السلطات السورية، أو مع الجانب الروسي لتنظيم العودة، هو الأساس في أي مقاربة لهذا الأمر.
أمّا الديبلوماسية اللبنانية فيجب أن يتركّز دورها على الضغط باتجاه الحلّ السياسي في سوريا، وتطبيق القرارات الدولية، فضلاً عن الضغط من أجل إدراج عودة النازحين كشرط أساسي للإستقرار السياسي والإجتماعي في سوريا، وبينها وبين دول الجوار أيضاً. فضلاً عن ضرورة إبعاد هذا المف عن الحسابات الطائفية أو الفئوية الضيّقة، والتعاطي معه بروح المسؤولية الوطنية التي تُوازن بين الأبعاد الإنسانية والسيادية والديبلوماسية، واعتماد خطاب سياسي إعلامي هادىء وهادف بما يضمن تفادي أي توتّرات بين النازحين والمجتمع المضيف أو بين اللبنانيين أنفسهم، والتشديد على أنّ عودة النازحين تجعل الشعب السوري يُحافظ على هويته وعلى نسيجه المجتمعي.