حتى اليوم كل تجارب طاولات الحوار بين جميع المكونات اللبنانية حول القضايا الإشكالية داخليا وخارجيا كانت اشبه باللعب السياسي في الوقت الضائع عن تبلور المناخات الاقليمية والدولية ولم تغيّر في المشهد السياسي والواقع المالي والاقتصادي. اكتفى اقطاب طاولات الحوار بتفنيد الوقائع بعيدا من اجتراح الحلول للازمات والاختلاف في الرؤى حول مفهوم الدولة والاستراتيجية الدفاعية التي طرحت على طاولة بعبدا في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان في العام 2008 من خلال تقديم رؤساء الأحزاب السياسية رؤيتهم لمفهوم الاستراتيجية الدفاعية من دون أن يتوصل المتحاورون إلى أي نقاط مشتركة.
الحال نفسه ينطبق على حوار عين التينة في العام 2016 الذي نفض يومذاك الغبار عن مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية الملحوظين في اتفاق الطائف من دون اي تقدم ملموس بعدما اشترطت قوى سياسية اساسية الموافقة على المجلسين مقابل إقرار مبدأ إجراء انتخابات رئاسية وفق معيار الرئيس المسيحي القوي، لينتخب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في نهاية تشرين الاول من العام 2016 من دون ان توضع على طاولة النقاش والبحث البنود الاصلاحية الواردة في اتفاق الطائف والتي لم تطبق ، ومرد ذلك ،وفق المتابعين، ان البلد دخل نفق ازمة اقتصادية صعبة طغت على اية عناوين اخرى، اذ استحوذ المأزق المالي والاقتصادي على حوارات بعبدا في عهد الرئيس عون من دون ان ينجح المتحاورون في التوافق على خطة تنقذ البلد من الارتطام الذي وصل اليه.
مجددا دعا رئيس الجمهورية إلى طاولة حوار من اجل التفاهم على ثلاث مسائل والعمل على إقرارها لاحقاً وهي: اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والاستراتيجية الدفاعية وخطة التعافي المالي، علما ان الرئيس عون قال بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب في العام 2020: "سأدعو إلى جلسة لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية وقضايا أخرى".
الخلاصة السياسية من كل الدعوات الإصلاحية أو الحوارية أنها لا تقدم أو تأخر لارتباط بنودها بحسابات ضيقة أو توجيه رسائل كحال الدعوة التي وجهها الرئيس عون يوم الاثنين والتي فهمها حزب الله أنها رسالة له من دون أن يبدي اي انزعاج وان كانت مصادره تؤكد أن خطاب الرئاسة حمل رسائل إلى الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري وإلى المكونات الاسلامية كافة المتمسكة بالطائف.
وبالتالي فإن هناك شبه اقتناع عند القوى السياسية أن لا طاولة حوار ستعقد في عهد الرئيس عون، لاعتبارات تتصل بقضايا مفصلية على علاقة بالأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتي يعمل رئيس الحكومة على إيجاد الحلول لها عبر اجتماعات اللجان الوزارية فضلا عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا يؤشر إلى أن لا داعي للحوار حول خطة التعافي طالما ان الحكومة صاحبة الاختصاص في هذا الشأن.
أما في ما خص الاستراتيجية الدفاعية فرئيس الجمهورية يدرك، وفق المصادر، أن هذا الملف أكبر من لبنان، وطرحه لن يغير في المعادلة القائمة، فمعالجة مسألة السلاح اقليمية بامتياز وتتجاوز الحدود اللبنانية ، ربطا بأن هذا الملف ليس أولوية تستدعي مناقشتها وان كان الحديث عنه في الإعلام بات لزوم ربط النزاع مع المجتمع الدولي، مع إشارة المصادر نفسها إلى أن حزب الله متمسك بطرحه للاستراتيجية الدفاعية ولن يتراجع عنه وقد يأتي الأمين العام لحزب الله على هذا الموضوع يوم الإثنين في اطلالته من باب تأكيده على معادلة الجيش والشعب والمقاومة، فضلا عن اهمية معالجة الأزمة الاقتصادية وتطبيق الدستور والمحافظة على المشاركة بعيدا عن اي طروحات تقسيمية، مع اقتناع المصادر أن كلام رئيس الجمهورية عن أن الدولة وحدها تضع الاستراتيجية الدفاعية هو دعوة لفتح باب التفاوض مع الحزب حول الاستحقاقات المقبلة وعلى رأسها الرئاسية.
وبعيدا من القراءات السياسية، يقول الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين لـ" لبنان24" إن هناك جملة أسباب تفرض الجوء إلى طاولات الحوار في لبنان، أولها أن الازمات تتخذ في كثير من الأحيان طابعا حادا وربما مصيريا وانقساما عاموديا تستوجب حوارا وطنيا لتحديد كيفية التعامل معها وإيجاد الحلول لها ، وثانيها أن السمة الطائفية للحياة السياسية في لبنان تجعل الصراعات السياسية تتخذ منحى طائفيا يستوجب لقاء وحوار الأقطاب للخروج منها، وثالثها أن النظام لا يملك آليات ناجحة لحل الازمات ولا مرجعية دستورية قادرة على فك العقد والمآزق، لا بل أن هذا النظام غني بأسباب التعطيل والإنسداد ولذلك فإن السمة شبه التوافقية للنظام الدستوري اللبناني تجعل حوار الأقطاب هو الأضمن .
ما تقدم يؤكد وفق مصادر دستورية أن المشكلة الأساس تبقى في النظام ومن الواجب البت في إدخال اصلاحات دستورية تعالج الاختلالات القائمة في هذا النظام لكن لا يبدو أن التوازنات الراهنة تسمح بذلك، وهذا يعني أن كل ما يطرح لن يؤسس إلى أي تغيير قد يبنى عليه في عمل المؤسسات لأن كل الطروحات محكمة بالتوازنات الطائفية.