ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة قال فيها: "... كمدخل لجردة حسابات آخر السنة بكل ما فيها من مرارات وأحزان وآلام طالت بلدنا أقول: لم يمر على ناسنا منذ تاريخ نشأة لبنان أسوأ من كارثة العام 2021، والسبب طبعا ليست الأيام، بل جريمة العمل السياسي المالي، واللعبة الدولية الإقليمية التي أخذت قرارا بإنهاك لبنان وخنقه واستنزافه، وتجويع شعبه. ومعه انتهت هذه السنة بأسوأ كارثة نقدية مالية معيشية اجتماعية، وسط نكبة سياسية وعاصفة بطالة وفقر وقهر ودمار اقتصادي وخراب إداري وإغلاق حكومي واحتكار غذائي ودوائي ومعيشي وخنق شامل وجرائم هي الأسوأ في تاريخ لبنان. ورغم ذلك ما زال البعض ينتظر مكتوفا حنفية الخارج الممسوكة بسكاكين السياسة القذرة، فيما الغصة الشعبية يتردد صداها في المقابر".
أضاف: "كموقف للتاريخ، إن أكبر أزمة يعانيها لبنان من الانهيار الشامل، سببها الكارثة السياسية، توازيا مع أسوأ خيانة ارتكبها كارتيل المصارف والحاكم المركزي والمتنفذون في السياسة المالية، إذ نهبت ودائع ثلاثة أجيال من اللبنانيين، ليصبح لبنان ضحية سهلة أمام الأنياب الدولية الإقليمية، ولأهداف سياسية، واليوم، مقياس الثقة بالمركزي وكارتيل المصارف صفر أو دون الصفر، ولا بد من بديل مصرفي، لأن الثقة بخونة هذا البلد من الصعب أن تعود".
تابع: "رغم مرور أكثر من سنتين على كارثة الانهيار، البعض ما زال يفتش الطريق عن الخيار السياسي، فيما الناس تلفظ أنفاسها، والفقر يطحن الشعب، والجريمة تلتهم البيئة الوطنية. ورغم أن الإنقاذ يمر برفع الألغام الفردية والمنافع الشخصية، إلا أن البعض إلى الآن لا يعرف من لبنان سوى مزرعته السياسية حتى لو تزلزل لبنان كله. الإنقاذ في لبنان لا يحتاج إلى فائض أموال، بل إلى فائض إرادة وطنية، بعيدا من لعبة التنفيعات وعض الأصابع وزج المصالح الشخصية بالخيارات السياسية، وخلط الداخل بالخارج".
وتوجه إلى السياسيين: "قواعد اللعبة في المنطقة تغيرت جدا والمخاطر هائلة والبلد الضعيف يسحق بين دهاليز الصفقات، وبخاصة أن لبنان الماضي انتهى. لذلك أؤكد أننا كمسلمين نريد ونصر ونتمسك بالشراكة الإسلامية - المسيحية الوطنية، ونتمسك بمشروع الدولة الواحدة، ولن نقبل بأي صيغة سياسية لا شراكة فيها مع المسيحيين. وتذكروا جيدا أن لبنان لن يكون فريسة لأحد، كما لن نقبل بأي لعبة انتخابية أو قنابل طائفية تأخذ البلد نحو كوارث التقسيم وزواريب الكانتونات، تحت أي اسم، فالتركيبة في البلد معروفة جدا، وعناصر التغيير الاستراتيجي غير موجودة الآن، وما يريده المشروع الدولي الإقليمي هو الحرائق والخراب والمتاريس، ثم وضع اللبنانيين على طاولة لتأمين تسوية جديدة على الأنقاض. ليس لأي جهة وطنية مصلحة بالسمسرة مع طواحين الذئاب الدولية، إلا فئة قليلة تعمل لحسابها الشخصي، وما كارثة هذا البلد إلا بسبب المنافع الشخصية. لذلك إرحموا شعب هذا البلد، وترفعوا عن لعبة المزارع الشخصية، وبادروا إلى حزمة إنقاذ سياسي سريعة، لأن البلد كله رهين السياسة".
وأشار إلى أن "تفجير المرفأ كارثة وطنية، كما أن الكمائن المسلحة المتنقلة في أكثر من منطقة كادت تأخذ البلد إلى حرب أهلية، والجميع يعلم أن البلد ما هو إلا مسرح للعب الدولي الإقليمي، بخلفية مشاريع تقسيم وتطبيع وتوطين وحقول نفطية بأولوية إسرائيلية وتلبيس اتهامات وفق أجندة دولية قذرة"، مشددا على أن "أكبر جريمة وطنية تكمن باستغلال القضاء والمواقع والمؤسسات الحكومية والقانونية المختلفة للثأر السياسي، لأن خلط السياسي بالقضائي خراب للبلد".
واعتبر أن "باب الحل لمن يريد الإنقاذ يبدأ بكسر التصلب، والجلوس المنتج بين الأقطاب المؤثرين. وباعتقادنا أن مفتاح الحل السياسي الكبير يبدأ بتسوية وطنية كبيرة بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري بثلاثية الرئيس نجيب ميقاتي، وما دون ذلك، الإغلاق السياسي سيفتك بالبلد، وأي تسوية وطنية يتفقان عليها ستفتح البلد سياسيا، وتدفع الحكومة بالشراكة مع الرئيس ميقاتي وباقي أركانها، إلى أخذ قرارات كبيرة على المستويات المالية والمعيشية، بما فيها كبح الدولار الأسود وإنعاش الأجهزة والمؤسسات الحكومية، وبخاصة أن الاستقرار النقدي والبدء بورشة حلول فعلية يرتبطان بالاستقرار والتعاون السياسي. أملنا بذلك كبير، وربما يكون ذلك هدية الرئيسين لكل لبنان".
وختم: "نعم، ما أصعبها من غصة أن أقول لكم كل عام وأنتم بخير، فيما شعب هذا البلد المظلوم يعيش وسط كارثة معيشية اجتماعية مدوية، لكن الأمل بالله كبير ويبقى كبيرا إن شاء الله تعالى".