لم يكن لدى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحافي أمس سوى همّ واحد، وإن حاول التطرّق إلى مواضيع أخرى غير مسألة ترميم علاقته بـ"حزب الله"، من دون أن ينسى بالطبع توجيه سهامه في إتجاه حليف حليفه، أي الرئيس نبيه بري، وإن لم يسمّه.
لا همّ لباسيل هذه الأيام سوى هذا الهمّ. ليس حبًّا بـ"حزب الله" بمجرد حبّ مجرّد من الغايات، بل من أجل مصلحتين داهمتين. الأولى في 15 أيار والثانية في 31 تشرين الأول.
بالطبع، لقد تابع مثله مثل غيره أخبار المنجمّين والفلكيين ليلة رأس السنة. ولا شك في أن ما ورد على لسان البعض منهم أقلق رئيس أكبر تكتل نيابي على الصعيدين اللبناني والمسيحي.
ما قاله العرّافون بالنسبة إلى الإنتخابات النيابية، إضافة إلى بعض الوقائع على الأرض، لم ينزل على قلب باسيل سلامًا ولا بردًا. لذلك كان همّه الأول والأخير عدم إغضاب "حزب الله"، وإن كانت لديه بعض الملاحظات على أدائه السياسي وعدم وقوفه إلى جانبه مئة في المئة في "حربه" مع رئيس مجلس النواب. فالوقت ليس وقت "بطولات". هكذا قيل له. الوقت وقت إنتخابات. وهذا هو المهمّ بالنسبة إلى رئيس "تكتل لبنان القوي".
فإذا غضب "حزب الله" فإن هذا الغضب سيترجم في صناديق الإقتراع في المرحلة الأولى، وبالتأكيد ستكون له مفاعيل في نهاية تشرين الأول. فلذلك قرّر باسيل اليوم أن يكون مهادنًا. ويقول البعض أنه كان أهدأ في كلامه من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي تحدّث عن أن الإستراتيجية الدفاعية هي من صلاحية الدولة اللبنانية حصرًا.
مع أن البعض كان يتوقّع أن يكون باسيل أكثر "عنفًا" من الرئيس عون، لكنه إنصاع لبعض الذين نصحوه بـ"المهادنة" و"تطرية" الجو، خصوصًا أن لا خيار لـ"التيار الوطني الحر" حاليًا سوى التحالف مع "حزب الله"، لأنه من دون هذا التحالف سيخسر أكبر تكتل نيابي على الأقل 12 نائبًا.
فأمام هذا الواقع يجد باسيل نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ، ولكنه يفضّل في هذه الظروف المعاكسة أن يختار الأقّل مرارة. لقد إنحاز إلى الرأي الذي يقول إن الحكمة تفرض "العض على الجرح" مرحليًا، أقّله في هذه المرحلة الحرجة، التي لا تحتمل مغامرات سياسية في غير محلها. فالعين يجب أن تبقى على تاريخ 15 ايار، وليس 6 أو 8، لأنه وبحسب الإحصائيات الأولية فإن لا خبز لـ"التيار" في المغتربات". لذلك يجب التعويض بعدم التفريط بتحالفه مع "حزب الله"، الذي يشكّل رافعة له في أكثر من دائرة إنتخابية. وبعد تمرير هذا "القطوع" فإن لكل حادث حديثًا، "وكل شي بوقتو حلو".
التعليمات صدرت من "ميرنا الشالوحي" إلى جميع المحازبين والمناصرين والمؤيدين والجيوش الالكترونية "كفوا شركن عن "حزب الله".
في المقابل، وكما هو متوقع وقبل كلام باسيل كان هناك قرار من قبل "حارة حريك" بعدم التصعيد في وجه "التيار الوطني الحر" وعدم الردّ على كلام رئيس الجمهورية. وهذا القرار يبقى ساري المفعول حتى ولو لم يلتزم بعض "العونيين" بتعليمات القيادة الحزبية، وهو أمر محتمل، خصوصًا أن ثمة رأيًا معاكسًا داخل "التيار" يقول أنه بمهادنة "حزب الله" بهذه الطريقة نكون كمن يقدّم هدية لأخصامنا السياسيين، وبالتحديد لحزب "القوات اللبنانية"، الذي سيحاول الإفادة من شدّ العصب المسيحي، الذي يرى في سلاح الحزب المشكلة الأساسية في إنهيار البلد.
أمّا عن الإستحقاق الثاني، فيقال: "بعد بكّير"، على أن تبقى الأهمّ حاليًا معادلة "غطاء مقابل غطاء". وعلى من يقرأ ما بين السطور فليقرأ جيدًا آخر كلام باسيل.