مع بدايات العام الجديد، وهو عام الإنتخابات النيابية والرئاسية، وعام حتمية الوصول إلى نهاية سعيدة في المسيرة التفاوضية مع صندوق النقد الدولي، يتحرّك كل من يعتبر نفسه "أمّ الصبي"، في إتجاه الحلول الممكنة.
وبما أن هذا العام هو عام إنتخابات يعتبرها الجميع مفصلية، سواء في الخارج أو في الداخل، فإن الوقت المستقطع لا يزال متاحًا من أجل تحقيق ما يجب تحقيقه في المفاوضات التي تجريها الحكومة مع الصندوق الدولي، وذلك قبل حلول شهر شباط، حيث يستنفر الجميع كل طاقاتهم إستعدادًا لمعارك إنتخابية حاسمة.
ولأن على "الكتف يوجد حمّال"، ولأن عامل الوقت لم يعد يصبّ في خانة الحكومة، التي لا تجتمع، ولأن موازنة العام 2022 قد أصبحت جاهزة، ولأن المفاوضات مع الصندوق الدولي مشروطة بإنجاز موازنة العام 2022، فاجأ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الجميع، بمن فيهم "الثنائي الشيعي" بخبر تزامن دعوته مجلس الوزراء إلى الإنعقاد فور تسلّمه الموازنة العامة من وزير المال.
فأمام هذه المعطيات التي لا تحتمل المزيد من التسويف والتعطيل أراد الرئيس ميقاتي أن يحشر الجميع في زاوية المسؤولية الوطنية، التي يجب أن يتحمّلها الجميع من دون إستثناء ومن دون أي شروط مسبقة، لأن هذه المسؤولية تحتّم على الجميع التجاوب مع المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة، وهو الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة وعزم إلى إيجاد مخارج مقبولة من الجميع للأزمة الحكومية العالقة عند شروط "الثنائي الشيعي"، وذلك بعيدًا عمّا يُشاع عن تسويات او صفقات مخفية خلف الأجواء الإيجابية التي سادت على أثر لقاء الرئيسين ميشال عون وميقاتي. فكل ما في الأمر أن هناك مصلحة للبنان لعودة الحكومة الى الانعقاد وانتظام عمل المؤسسات، وكل كلام عن صفقات هو خارج سياق المنطق العام والسليم، إذ ليس بالصفقات تكون الحلول.
فزيارة الرئيس ميقاتي لقصر بعبدا أمس الأول جاءت تتويجًا لحركة الإتّصالات المكثّفة التي جرت خلال اليومين الماضيين، سعياً الى تبريد التوتير السياسي التي اشعلتها السجالات الأخيرة على أكثر من خط، وخصوصاً بين الرئاستين الأولى والثانية.
إذًا، يمكن القول إن اللقاء الرئاسي في بعبدا حرّك المياه السياسية والحكومية المياه الراكدة على كلّ الجبهات ولا سيما على خط العلاقة المتوترة بين الرئيس عون ونبيه بري.
وفيما تتوقع أوساط سياسية أن تنسحب الأجواء الإيجابية الرئاسية على مجمل المشهد السياسي والقضائي وعلى الأوضاع الاقتصادية، لم يسجل أيّ تبدّل حتى الساعة بموقف "الثنائي الشيعي" حيال ملف تحقيقات المرفأ، حيث يتردد أن وزراءه لن يلبوا الدعوة لجلسة حكومية إلا بعد معالجة مشكلة القاضي طارق البيطار، إلا إذا اقتصرت الدعوة الى جلسة يتيمة لمناقشة الموازنة.
وفي الاجواء التي تتم اشاعتها ، أن موافقة "الثنائي الشيعي" على حضور جلسة الموازنة ستكون مشروطة، وسيقتصر الحضور على وزير المال، بإعتباره المعني الأول بموضوع الموازنة العامة. وبعد إحالة الحكومة هذه الموازنة إلى مجلس النواب في دورته الإستثنائية يكون لكل حادث حديث.
وعلى رغم هذه الأجواء الضبابية المشوبة بشيء من التفاؤل الحذر لا بدّ من التساؤل مع الرئيس ميقاتي: ما البديل عن اجتماعات الحكومة والبلد مشلول، والدولار يرتفع، خصوصًا أنه لا يمكن التفاوض مع الصناديق الدولية قبل اقرار الموازنة، والدول لا تستطيع انتظارنا، والتعطيل يجر البلد الى الكوارث؟
فهل يكون هذا الحلّ المؤقت لعودة الحكومة إلى إجتماع يخصص فقط لدرس الموازنة مخرجًا معينًا لإيجاد تسوية سياسية لا تكون بالتأكيد على حساب القضاء وهيبته وإستقلالية عمله؟