فيما يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بكل ما لديه من معطيات، وما يتمتّع به من حكمة وطول أناة، في محاولة لخوضه سباقًا مع الوقت، بهدف إيجاد حلّ ما لمعضلة تعطيل العمل الحكومي، أطّل علينا رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أمس الأول بإطروحة هي اشبه بمن يلفظ أنفاسه السياسية الأخيرة، محمّلًا رئيس الحكومة مسؤولية هذا التعطيل، مطبّقًا على نفسه المثل الذي يلقي على الآخرين ما هو مبتلٍ به، كاشفًا عن إتجاه "لطلب حجب الثقة عن الحكومة، لأنّ رئيسها يتحمّل جزءاً من المسؤولية عن إيقاف عملها"، مضيفاً: "سنفكّر بكل الخيارات المتاحة. فإذا كان الخيار بين عدم وجود حكومة وحكومة غير فاعلة، فالأفضل الذهاب الى تشكيل حكومة أخرى. وليس الحل بالقول "ما بتحرز ونروح على انتخابات نيابية". من دون أن نفهم تمامًا من يقصد عندما تحدّ بصيغة الجمع (نحن). فمن هم هولاء الـ "نحن"؟ هل هم الذين لم ينجحوا في تأمين نصاب طاولة الحوار، أم هم الذين لا يريدون إجراء إنتخابات نيابية وصولًا إلى ضرب الإنتخابات الرئاسية وتكرار سيناريو السنتين ونصف السنة فراغًا وتعطيلًا، ومحاولة إبقاء القديم على قدمه، بذريعة عدم التسليم بحصول فراغ في سدّة الرئاسة الأولى؟
فهل يريد باسيل في الواقع عودة آمنة للعمل الحكومي، خصوصًا أن موقف كل من "حزب الله" وحركة" أمل" جاء تجاوبًا مع مساعي رئيس الحكومة، على رغم كل هذه المحاولات التعطيلية وذرّ الرماد في العيون، فإنه كان على إستعداد في مطلع الاسبوع للمباشرة بسلسلة تحرّكات، سيبدأها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في محاولة لتهيئة الارضية لعقد اجتماع للحكومة لدرس الموازنة بعدما تبلغ أن وزارة المال تضع اللمسات الأخيرة على المشروع الذي سيكون جاهزًا قبل نهاية الشهر الجاري، خصوصًا لجهة سعر صرف الدولار الذي سيتم اعتماده في إعداد الموازنة، وهي النقطة الأبرز الخاضعة للدرس في الوقت الراهن، والتي تُعتبر الأصعب في إعداد الموازنة لهذا العام.
ويحرص رئيس الحكومة على ألاّ أن تكون الموازنة شكلية، وألاّ يكون هدفها كسب الوقت واستمرار المماطلة السياسية أكثر منها تصويب الوضع الإقتصادي. وهذا ما يحاول تعطيله بعض المتضررين من عودة الحكومة إلى إنتظام عملها، ومن بينهم النائب باسيل.
المهم بالنسبة إلى الحريصين أن يتزامن إقرار الموازنة مع تسريع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لكي يتمكّن لبنان من الإفادة من المساعدات الممكنة والمحتملة قبل الإنتخابات النيابية، وذلك خوفًا من الدخول في المجهول في حال تعثّر تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات، وقبل أن تتحوّل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال.
المهمّ أيضًا بالنسبة إلى الرئيس ميقاتي أن تأتي الموازنة الجديدة متوافقة مع الخطة الإقتصادية التي على أساسها سيتحدد سعر الصرف، وحجم الخسائر وكيفية توزيعها، وتخفيض نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة هيكلة الإقتصاد والمؤسسات، ووضع رؤية واضحة لحجم النفقات والإيرادات.
فهذه الموازنة تأخذ في الإعتبار ضرورة توافقها مع متطلبات البرنامج مع صندوق النقد، وذلك من خلال حسم موضوع إستعمال سعرين للصرف ، ووضع خطة مفصلة لإصلاح قطاع الكهرباء.
إلى ذلك، كان من المتوقع أن يصل الى بيروت الأسبوع الطالع وفد الصندوق الدولي للإطلاع ميدانيًا إلا أن هذا الموعد قد تأجل بسبب إنتشار فيروس "أوميكرون".
وخلافًا لما يحاول البعض ترويجه لغايات باتت معروفة أكد نائب رئيس الحكومة ورئيس الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي سعادة الشامي ان خطة الحكومة الاصلاحية أصبحت جاهزة تقريبًا، مشيرا الى "أن تعطيل الحكومة لن يعيقنا أو يؤخرنا عن متابعة المفاوضات وإنجاز المهمّة المكلّفة الينا، حيث اننا سنقوم بالانتهاء من وضع الخطة ومواصلة المفاوضات الى حين التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لكي يكون كلّ شيء جاهزاً عندما تعود جلسات مجلس الوزراء الى الانعقاد".