منذ شهرين، أُصيب أحد كبار السنّ بجلطة مفاجئة، نُقل على إثرها إلى المستشفى للمعالجة، وبعد نحو شهر من مكوثه فيها، عاد إلى منزله، فاقدًا القدرة على السّير والكلام والتحرّك.
أمام هذا الواقع، اضطرّ أهله إلى البحث عن شخص يهتمّ به، غير آبهين بجنسيّته أو خلفيّته العمليّة، كون وضعهم الماديّ لا يسمح لهم بأن يدفعوا مبلغًا ماليًّا كبيرًا شهريًّا. وكان هدفهم فقط، إيجاد شخص يقضي وقته مع المريض ويهتمّ به.
هذه القصّة، وغيرها الكثير من القصص المشابهة، تفتح باب "الرّعاية الصحيّة المنزليّة" في لبنان، وأهميّة حسن اختيار الأشخاص الّذين سيتابعون المريض أو العجوز صحيًّا. فـ"الرّعاية الصحيّة المنزليّة" هي خدمة علاجيّة يتلقّاها المريض في منزله، بدلًا من البقاء في المستشفى، وذلك من خلال توفير أطبّاء وممرّضات/ين وأخصائيّين، للعناية به وتقديم الخدمات اللّازمة، تحت إشراف طبيب.
صعوبات الرّعاية الصحيّة المنزليّة
أوضح الممرّض المجاز يوسف يونس، أنّ "منذ سنوات، كان المريض يلجأ إلى المستشفى والعجوز إلى دار العجزة لتلقّي الرّعاية اللّازمة، لكن اليوم مع الأزمة الاقتصاديّة وتفشّي فيروس كورونا، تغيّر الوضع وباتت الرّعاية الصحيّة مطلوبة أكثر".
وكشف لـ"لبنان 24"، عن الصّعوبات الّتي ترافق الرّعاية الصحيّة المنزليّة، بظلّ الأزمة الاقتصاديّة الّتي يعاني منها كلّ منزل لبناني، مشيرًا إلى أنّ "الصّعوبات الّتي ترافق هذه الرّعاية متعدّدة، منها عدم قدرة الأهل على إيجاد الشّخص المناسب بسهولة ليهتمّ بالمريض أو بالعجوز، والمشاكل الماديّة في البلد الّتي خفّضت من قدرة الأهل على الدّفع لممرض خاصّ، كما أنّ فيروس كورونا أضاف مشكلةً جديدةً، وهي أنّ الأهل يطلبون أن يبقى شخص واحد فقط مع المريض لفترة طويلة من الوقت، وهذا ما يؤدّي لتراجع إنتاجيّته".
وذكر أنّ "المشكلة الأخيرة تكمن بإيجاد التّناغم بين المريض والشّخص الّذي يهتمّ به".
الفرق بين الممرّض المجاز والشّخص العادي
ميّز يونس بين الممرّض المجاز، ومساعد الممرّض والشّخص العادي، مفسّرًا أنّ "مساعد الممرّض في المستشفى، عادةً ما يهتمّ بحمّام المريض وبعض الأمور البسيطة، ولا يحقّ له أن يعلّق مصلًا أو يعطي الأدوية، لأنّها من اختصاص الممرّض".
ولفت إلى أنّ "الممرّض المجاز ومساعده يستطيعان تقديم العناية اللّازمة للمريض أو للعجوز في المنزل بأفضل طريقة، من خلال الانتباه لتغيّر حالته الصحيّة ومعرفة طريقة التّعامل معه ومع وضعه الصحّي؛ وذلك نتيجة الخبرة والدّراسة الجامعيّة"، مبيّنًا أنّ "بالمقابل، لن يستطيع أيّ شخص عاديّ الاهتمام ومتابعة الأمور الصحيّة للمريض، الّتي هي أساسيّة بالرّعاية المنزليّة".
وبالنّسبة إلى الفارق بين التّكلفة الّتي يتطلّبها الشّخص المختص أو الشّخص العادي، ركّز يونس على أنّ "الشّخص العادي يمكنه أن يطلب السّعر الّذي يرغب به، أمّا الممرّض الّذي يمتلك الخبرة فسيطلب مالًا أكثر"، موضحًا أنّه "في حال لم يُحسن أيّ شخص التّعامل مع المريض، فممكن أن يُصاب بـ"عقر"، وهنا سيحتاج إلى تكاليف ماليّة كبيرة للعلاج، بالإضافة لما سيتبع ذلك من ألم ومشاكل نفسيّة وصحيّة لدى المريض".
أمّا عن الطّريقة الأفضل للعناية بالمريض منزليًّا، الّتي يتّبعها يونس، فأفاد بأنّها "تقضي بأن يكون هناك ممرض مجاز يتابع أيّ مريض أو عجوز، ويقوم بزيارات دوريّة إليه ويتواصل مع طبيبه، إلّا أنّ مساعد الممرّض هو من يبقى مع المريض".
هل عدد الممرّضين كافٍ؟
بحسب مصادر "لبنان 24"، فمنذ سنتين لحدّ اليوم، هاجر نحو 2000 ممرّض وممرّضة من لبنان، ما انعكس حتمًا بشكل سلبي على القطاع، الّذي بات يعاني نقصًا حادًّا في عديده.
في هذا الإطار، أكّد يونس أنّ "عدد الممرّضين في لبنان اليوم ليس كافيًا، فهناك نسبة هجرة كبيرة بصفوف الممرّضين المجازين أو المساعدين"، لافتًا إلى أنّ "بعض الممرّضين يلجأ اليوم إلى ترك الوظيفة بالمستشفيات، بهدف العمل بشكل فردي في قطاع الرّعاية الصحيّة المنزليّة، لما لها من إفادة ماديّة أكثر من المداومة في المستشفيات؛ ما أدّى إلى انخفاض عدد الممرّضين فيها".
ولا بدّ من التّشديد على أهميّة دعم هذا القطاع، لأنّه سيخلق فرص عمل للشّباب، بحسب يونس، الّذي أشار إلى أنّه "بعد خضوعهم لدورات مختصّة مع ممرّض مجاز، سيتمكّن الشّباب من إيجاد عمل في قطاع الرّعاية المنزليّة"، موجّهًا دعوة لهم إلى "الدّخول في قطاع التّمريض، لأنّه مطلوب بنسبة كبيرة في لبنان وكلّ دول العالم".
بالمحصّلة، طرأت تغييرات كثيرة على نمط حياة اللّبنانيّين عقب الأزمة الّتي نمرّ بها، فبعدما غيّروا نمطهم بما يتعلّق بالنّزهات والطّعام والنّشاطات، وصل "الموس" إلى الصحّة!