يأتي الوسيط الأميركي الجديد في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية أموس هوكشتاين هذه المرّة إلى بيروت، وفي جعبته الكثير من الطروحات التي يمكن إمّا أن تعيد تحريك المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، خصوصًا أنه كان أعلن بعد زيارته الأولى في 20 تشرين الأول الفائت "استعداد إدارة الرئيس جو بايدن لمساعدة لبنان وإسرائيل على إيجاد حلّ مقبول للطرفين للحدود البحرية المشتركة لصالح كلا الشعبين"، وإمّا من شأنها أن تزيد الأمور تعقيدًا. وهذا الأمر يتوقف على ما سيطرحه على الجانب اللبناني.
وعودة هوكشتاين للمرة الثانية الى لبنان تتزامن مع تطورات جديدة طرأت على الساحة اللبنانية بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للبنان في كانون الأول الفائت التي أعلن خلالها أنّ "الأمم المتحدة ستبذل قصارى جهدها للتوصّل الى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية"، ولعل أبرز هذه التطورات قرار "الثنائي الشيعي" العودة إلى طاولة مجلس الوزراء، وبعد إستثناء الولايات المتحدة الأميركية لبنان من عقوبات "قانون قيصر" بالنسبة إلى إستجرار الغاز من مصر والطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا.
وفق آخر المعطيات أن هوكشتاين يحمل معه صيغة حل بـ"التراضي"، خصوصًا بعدما تبّلغ إصرار لبنان على تمسّكه بالخط 29 كحدود لبنان البحرية، وليس الخط 23 والذي يدخل ضمنه أكثر من نصف حقل "كاريش" الذي استأنف العدو الإسرائيلي العمل به. ففي حال لم يقبل الوفد اللبناني المفاوض ما سيطرحه هوكشتاين من حل "رضائي"، فإنه لا يُستبعد أن تُمارس على لبنان ضغوطات كبيرة، ويُقال أن من بين هذه الضغوطات فرض عقوبات قاسية على عدد من المسؤولين اللبنانيين، الذين يُعتبرون من "الصف الأول".
إن ما سيحمله هوكشتاين معه هذه المرّة من مقترحات يمكن إعتبارها تصب اكثر في مصلحة العدو من دون الأخذ في الإعتبار مصلحة لبنان، وهذا الأمر لا يمكن مواجهته، وفق ما تؤكده مصادر ديبلوماسية، إلاّ بموقف لبناني موحد، وألا يتحدّث المسؤولون اللبنانيون بلغات متعدّدة، خصوصًا أن ثمة من يحاول تصوير الموقف اللبناني على أنه مشتت الآراء ومتقلب، في حين أن العكس من قبل الجانب الإسرائيلي هو الصحيح. ويمكن أن يُسأل هوكشتاين عن سبب قيام إسرائيل بتغيير خرائطها والحدود المرسومة فيها دائماً، ولماذا تُباشر بالتنقيب في حقل "كاريش" أو سواه في منطقة متنازع عليها، وذلك قبل الإتفاق على الحدود البحرية مع لبنان، ولماذا لا تنتظر نتائج الوساطات الأميركية والأمم المتحدة؟
ما هو مطروح هو المزاوجة بين ترسيم الحدود البحرية واستغلال حقول النفط عن طريق ما يُسمى إتفاقًا بـ"التراضي"، الأمر الذي سيضع لبنان في موقف معقد، خصوصًا أن سيف العقوبات سيكون مصلتًا فوق رؤوس اللبنانيين.
ويُخشى أن تكون هناك رغبة لدى البعض في إجراء مفاوضات مستقلّة من تحت الطاولة، وذلك بسبب أنّ عينها على الواردات النفطية المأمولة ما يؤمر التوصّل الى اتفاق يصبّ في مصلحة لبنان. ويُخشى أن تلعب المصالح الضيقة لعبتها فيقع لبنان في مأزق جديد يُضاف إلى مسلسل مآزقه المتراكمة.