ودعت الكنيسة المارونية والرهبانية اللبنانية المارونية الرئيس العام الاسبق للرهبانية الأباتي اثناسيوس الجلخ في مأتم رسمي وروحي مهيب أقيم في كنيسة القديس نعمة الله في دير سيدة طاميش، شارك فيه وزير السياحة وليد نصار ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي منح الفقيد "وسام الاستحقاق اللبناني المذهب من الدرجة الاولى".
كما شارك الرئيس امين الجميل، النائبان شوقي الدكاش وادي ابي اللمع ، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتاري، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، المستشار الرئاسي مدير الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، رئيس تجمع "موارنة من اجل لبنان" المحامي بول يوسف كنعان، أساقفة ورؤساء عامون ورئيسات عامات للرهبانيات، مجمع الرئاسة العامة في الرهبانية اللبنانية المارونية ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات وفاعليات.
الراعي
ترأس صلاة الجنازة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي ألقى بعد الانجيل المقدس كلمة رثاء قال فيها: "عظيمة قوة الصلاة" هذه كانت قناعة المرحوم الأباتي أثناسيوس، وكانت بمثابة شعار يردده في مجالسه باللغة السريانية: "رابو حيلا دصلوتو". هذا ما تعلمه في العمق خلال سنتي الإبتداء في دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان، العابق بعطر القديسين نعمة الله وشربل والطوباوي الأخ اسطفان، وجارتهم القديسة رفقا في دير جربتا. فكم تأمل في صورة القديس نعمة الله ساجدا، باسط اليدين، ورافعا عينيه وعقله وقلبه إلى فوق. حتى جسد الصلاة نهجا وعملا، في المواظبة عليها بشكل مثالي ملفت في حياة كل جماعة ديرية عاش فيها، وترجمها في فضائل القناعة والتجرد والتقشف وبساطة العيش. ولما فقد النظر في السنوات العشر الأخيرة من حياته، ازداد في الصلاة العقلية، وعاش وحيدا مع الوحيد. وقد لمسنا ذلك عندما زرناه في دير مار موسى الحبشي -الدوار، أثناء زيارتنا الراعوية للمنطقة".
اضاف: "بفضل مثل حياته الرهبانية، لبى الدعوة الإلهية كل من إبن شقيقه عزيزنا الأب جورج لإتباع المسيح على طريق المحبة الكاملة في الرهبانية الجليلة، وابن شقيقته عزيزنا الخوري مخائيل في الكهنوت الأبرشي".
وتابع: "انفتح قلبه على الصلاة في البيت الوالدي، بيت المرحومين ديب الجلخ ونور الزيناتي من بحرصاف العزيزة، وأمامه الأمثلة في أخواله المرحومين الأب مبارك الزيناتي، إبن الرهبانية الجليلة، والخورأسقف الياس الزيناتي النائب العام في أبرشية صيدا، والإكليريكي جورج الذي توفي قبل رسامته".
واردف: "لقد جسد المرحوم الأباتي أثناسيوس في حياته القاعدة المأثورة: "شريعة الإيمان شريعة الصلاة". ما يعني أن صلاته كانت تنبع من إيمانه. فالمؤمن هو الذي يصلي، لأنه يدرك أن الصلاة هي وسيلة الإتحاد بالله، يرفع فيها القلب والعقل والفكر إليه. وإذا كانت الصلاة في أزمة، فمرد ذلك إلى قلة الإيمان. وقد شاء الله أن يعطينا علامة عن إيمانه وصلاته، في أنه بعد رحلة على وجه الأرض دامت أربعا وتسعين سنة، توفي في يوم عيد شفيعه القديس أثناسيوس الكبير، أسقف الإسكندرية (+373)، المشهور بإيمانه وصلاته، وقبوله الظلم دفاعا عن عقيدة الإيمان التي علمها مجمع نيقيه (325)".
وقال: "ظهرت شخصية الأباتي أثناسيوس في الحياة الرهبانية بما تميز به من علم وصدق وجدية وروح مسؤولية وحزم وقرار. فأسندت إليه السلطات المتعاقبة مهمة تدريس مادة التاريخ، وهي من اختصاصه، في جامعة الروح القدس الكسليك وفي ثانونيات الرهبانية، وإدارة مدارس، ورئاسة أديار. فترك ذكرا طيبا في النفوس حيثما حل أكان مسؤولا أم راهبا عاديا، من مثل بيت شباب وحمانا وبحرصاف وغزير والدوار. ومحضه أبناء الرهبانية ثقتهم فانتخبوه مدبرا عاما مرتين، وعينه للمرة الثالثة نائبا عاما القديس البابا يوحنا بولس الثاني، ثم انتخبوه رئيسا عاما. لقد أمضى أربعا وعشرين سنة في المسؤولية العامة، علمته ما كان يردده: "مخطئ من يعتقد أن بإمكانه إدارة الرهبانية أو أي مجتمع كنسي بالدهاء البشري. بل يجب الإتكال على "الفوقاني" أي الإتكال الدائم على الله".
واضاف: "في عهد رئاسته العامة، أنجز تجديد قوانين الرهبانية، وثبت النهج الرهباني الديري. بالنسبة إليه القوانين هي إطار واقعي لعيش الإنجيل ومشوراته. وفي عهده أولى عناية خاص دعاوى القديسين، ففتح طلب تطويب الأخ إسطفان، وسر بإعلان قداسة القديسة رفقا. وعلى مدى سبعين سنة شارك في كل المجامع الرهبانية، وكان فيها صاحب الرأي والمشورة".
وقال: "تأتي الشهادة من أبناء الرهبانية: "أن الأباتي أثناسيوس الراهب والكاهن بما أوتي من مواهب، وما حصله من علم، وما كسبه من خبرة روحية، جعلت منه معلما في الحياة الروحية والرهبانية، هكذا عرفه إخوته الرهبان من خلال حياته والتزامه الشخصي بعيش النذور وفضائل المشورات الإنجيلية، ومن خلال الرياضات الروحية التي أحياها والعظات والتعاليم الرهبانية للناشئة، ومن خلال الرسائل العامة التي وجهها إلى الرهبانية خلال رئاسته العامة، وبالأكثر من خلال لقائه الشخصي المحب مع كل راهب وأخ دارس، وأخ مساعد في الأديار، ومع النشء الرهباني".
وتابع: "لقد أحب الكنيسة باحترام السلطة فيها وبروح الطاعة؛ وأحب الرهبانية حتى اعتبره إخوته في الرهبانية أيقونتها الصافية، وأحب الوطن لبنان الذي كان يعتبره أكثر من تاريخ وجغرافية، بل آمن به مساحة حرية لعيش القيم. فدافع عنه وحمله في صلاته بشعبه ومسؤوليه".
ممثل رئيس الجمهورية
وبعد الصلاة منح الوزير نصار باسم رئيس الجمهورية الفقيد وسام "الاستحقاق اللبناني الدرجة الاولى مذهب" وقال: "نلتقي اليوم لوداع من في يقيننا الايماني انه يعاين وجه الرب الذي خدمه في الحياة الرهبانية، قبل ان تختاره العناية الإلهية، التي كان مسلما ذاته إليها، رئيسا عاما لرعاية الرهبانية اللبنانية المارونية: رهبانية قديسي لبنان الكبار، التي اليها إنتمى. نودعه بعد سنوات من العطاء، عاشها بروح الزهد والوداعة، وضخَّ في الرهبانية رصانة وخدمة وتواضعا، في زمن الزرع وقد كان وفيرا، ليثمر غلال خير لكنيسة ووطن هما بأمس الحاجة اليهما".
اضاف: "كان الاباتي اثناسيوس الجلخ كبيرا حيث الكبر حضورا، وإنسانيا حيث الإنسانية شهادة، هي خصال بنته ثقة كثيرين ممَّن كانوا يبحثون، وسط الانواء عن حكمة، عرف كيف يوطدها في حياته، ومن حوله، كما في عمله، لخدمة اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، على امتداد حضور اديار الرهبانية في لبنان وبلدان الأنتشار".
وتابع: "هو، إبن المتن الشمالي، عرف قيمة الأرض اللبنانية في صون الهوية المارونية والارتباط بها، جاعلا من حياته قدوة في العناية بها، في مرحلة تاريخية لا تزال آثارها رابضة الى اليوم. تماما، كما سهر مهتما بمقدرات الرهبانية الروحية والمادية والثقافية والرعائية والزراعية والاستشفائية، ومهتما بالمساعدة في عودة المهجَّرين وتثبيت اتحادهم بجذورهم، موطدا اواصر العيش معا".
وختم: "رافق ايها الفقيد الكبير، لبنان والكنيسة فيه، ولتصحبك رِفقة قدِّيسي الرهبانيَّة، لتبقى بصلواتهم وعنايتهم، رهبانيَّة الخدمة في كنيسة الشهادة، من أجل الوطن-الرسالة".
كلمة الرهبانية
ثم كانت كلمة شكر باسم الرهبانية ألقاها امين سر عام الرهبانية الأب ميشال ابو طقة قال فيها:"باسم قدس الأب العام الأباتي نعمةالله هاشم رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية، ومجمع الرئاسة العامة وأبناء الرهبانية وعائلة وأنسباء المثلث الرحمة الأب العام الأسبق الأباتي أثناسيوس الجلخ، نشكر صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، على ترؤسه رتبة الجناز. ونشكر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي منح الراحل الكبير وسام "الإستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى المذهب"، ممثلا بمعالي الوزير المهندس وليد نصار، كما نشكر سعادة السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري وفخامة الرئيس أمين الجميل، وأصحاب السيادة المطارنة السامي احترامهم وقدس الرؤساء العامين الجزيلي الاحترام والرئيسات العامات الجزيل احترامهن، Mgr. Giuseppe Franconi، وجميع الكهنة والرهبان والراهبات، والشكر أيضا لسعادة النواب ولرؤساء البلديات والمخاتير والفعاليات القضائية والمدنية والعسكرية والحزبية، والإعلامية، راجين للجميع النعمة والبركة من لدن الله، والصحة وطول العمر".
تطواف
بعد ذلك رافق الهاشم والرهبان الجثمان في تطواف على وقع الصلوات والتراتيل من كنيسة مار نعمة الله الى كنيسة دير سيدة طاميش حيث سجي وقدم الحضور التعازي.
مار موسى - الدوار
وبعد الصلا،ة انطلق الجثمان بموكب الى دير مار موسى - الدوار مرورا ببلدة بحرصاف مسقط رأسه، حيث استقبل على وقع قرع الاجراس والتراتيل وسجي في الكنيسة ثم اقيم قداس الهي لراحة نفسه ترأسه الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي الهاشم قبل ان يوارى في الثرى في مدافن الدير.
التعازي
ثم تقبل الرهبان التعازي في صالون الدير والذي يستمر حتى السابعة من مساء اليوم.
كما تتقبل الرهبانية التعازي في مقر الرئاسة العامة في دير مار انطونيوس - غزير يومي الاحد والإثنين من العاشرة صباحا لغاية السادسة مساء.