خلافًا لما روّج له كثيرون في الساعات القليلة الماضية، قبل الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في الكويت، بدا أنّ العرب تلقّفوا الردّ اللبنانيّ الرسميّ على المبادرة الأخيرة التي حملها وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان قبل أسبوع، بـ"ليونة" أقرب إلى "الإيجابية"، معلنين أنّه "قيد البحث"، ولو أنّ البعض لم يستبعِد خيار "التشدّد" في المقاربة.
فقد كان لافتًا، على سبيل المثال، "تنويه" وزير الخارجية الكويتي بتلقّي الردّ اللبنانيّ في هذه المهلة القصيرة، وربما القياسية، واصفًا الأمر بحدّ ذاته على أنّه "خطوة إيجابية"، مؤكّدًا أنّ الردّ سيخضع للبحث بين مختلف الدول المعنيّة، التي حرص على الجزم بأنّها تنسّق في ما بينها بالكامل، ليُبنى على الشيء مقتضاه بعد ذلك لناحية "الخطوات المقبلة" مع لبنان.
وإذا كان البعض "تحسّس" من هذا التعبير، وحاول "الإيحاء" بخطوات "تصعيدية" جديدة من دول الخليج، فإنّ العبارة جاءت وفقًا للمتابعين، في سياق مغاير تمامًا، وتحديدًا في إشارة إلى احتمال "العودة" عن القرارات التي اتخذتها بعض دول الخليج العام الماضي، لناحية استدعاء سفرائها من بيروت ما أسّس لما يشبه "القطيعة الدبلوماسية"، فهل مثل هذا الأمر وارد؟!
"سلبية غير مبرّرة"
قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب، كانت الأجواء في بيروت مغايرة تمامًا. ثمّة بين اللبنانيين من اختار "المزايدة"، عبر بثّ "نَفَس سلبي" قد لا يكون مفهومًا، لأنّه في المقام الأول، في غير صالح لبنان أساسًا. بين هؤلاء من اعتبر في صيغة الردّ، التي لم يطّلعوا عليها، "محاولة للتذاكي"، جزم أنّها "لن تمرّ" على العرب بأيّ شكل من الأشكال.
ولأنّ المضمون لم يَفِ بالغرض بالنسبة إلى كثيرين، خصوصًا أنّ مسودّة الردّ التي سُرّبت لم تخرج عن "الثوابت" اللبنانية المُجمَع عليها، ثمّة من لجأ إلى "الشكل"، ليتحدّث عن "مخالفة للدستور"، بحُجّة أنّ المبادرة الكويتية كان يجب أن تُطرَح على مجلس الوزراء، بوصفها ورقة رسميّة، ليتولّى مجتمعًا الردّ عليها، بدل "حصر" الأمر برئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، دون غيرهما من الأفرقاء.
لكن، هنا أيضًا، لم يكن المصوّبون "موفَّقين" في هجومهم، وفق ما يقول العارفون، لأنّ ما سُمّيت مبادرة كويتية، كان "ورقة أفكار ومقترحات" بتوصيف وزير الخارجية الكويتي نفسه، وبالتالي فهي ليست مذكّرة رسميّة، كما أنّ الردّ عليها جاء بعد "استمزاج الآراء"، وبطريقة "تراعي" الخصوصيّات والتباينات، علمًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ "إحالتها" إلى مجلس الوزراء، وفتح نقاش وطنيّ حولها، كان من شأنه أن يؤدي إلى "تأخير" قد تضيع معه "الفرصة" المتاحة.
"الفرصة" لا تزال متاحة
عمومًا، يقول العارفون إنّه خلافًا لكلّ الأجواء التي تعمّد البعض بثّها في اليومين الماضيين، فإنّ هذه "الفرصة" لم تتبدّد بعد، وما "تنويه" وزير الخارجية الكويتي بتلقّي الردّ سوى "إشارة أولى" في هذا الصدد، لأنّ العرب يدركون أنّ مثل هذه الخطوة، بمُعزَلٍ عن بعض التفاصيل، تدلّ على "جدية" في المقاربة اللبنانية الرسمية، و"إصرار" من جانب السلطات المعنيّة على إعادة العلاقات مع دول الخليج إلى سابق عهدها.
لكنّ هذه الخطوة بحدّ ذاتها قد لا تكون كافية، لأنّ "مضمون" الردّ يبقى الأساس، وهو ما سيخضع للبحث في القادم من الأيام، في ظلّ ما يُحكى عن "سيناريوهات" عدّة تتفاوت بين "الليونة" التي تفتح المجال أمام "الأخذ والردّ"، وبين "التشدّد" الذي يميل بعض المراقبين لتبنّيه، باعتبار أنّ بعض البنود التي جاءت ضمن المبادرة، والتي تبدو "عصيّة" على التنفيذ لبنانيًا، هي "بيت القصيد" بالنسبة إلى بعض دول الخليج، وهي بالتالي لن تسمح بأيّ "مناورات" على خطّها.
من هنا، يبقى الانتظار سيّد الموقف حتى يقول العرب كلمتهم، انتظار قد يكون مطلوبًا من لبنان "مواكبته" دبلوماسيًا بالشكل المطلوب، خصوصًا أنّ كثيرين مقتنعون أنّه خلافًا لما أوحى به البعض، فإنّ المبادرة الخليجية التي تولّى الكويتية نقلها والتسويق لها، لم تكن من الناحية العملية خطوة "تصعيدية"، ولا حتى "دفتر شروط"، كما يحلو للبعض وصفها، بل "مدًّا لليد" بمُعزَل عن التفاصيل، وقد عرف لبنان كيف "يتلقّفها"، بأفضل السبُل الممكنة.
صحيح أنّ خيار "التشدّد" في التعاطي مع الردّ اللبناني، وفق ما يروّج البعض، يبقى واردًا، خصوصًا أنّ دول الخليج تبحث عن "ضمانات" لعدم تكرار تجارب "مريرة" شهدتها في الماضي القريب مع لبنان، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ خيار "الليونة" لا يزال طاغيًا ومتقدّمًا حتى إثبات العكس، علمًا أنّ هناك من يجزم أنّ العرب هم الذين بادروا ومدّوا اليد، وهذا يعني أنّهم يريدون فتح "صفحة جديدة"، وهنا بيت القصيد!