تحت شعار "نعم للإذاعة – الثقة" يحتفل باليوم العالمي للإذاعة في الثالث عشر من شباط من كل عام، بوسيلة تتحدى الطفرة الإعلامية في عالم المرئي والتواصل الاجتماعي، وبمحطة بقيت على قيد حياة وتواصل مع المستمعين، فلم تفقد بريقها وكأنّها تتحدى الزمن بتطوره.
ورغم التطور التقني الكبير الذي طال وسائل الإعلام المتنوعة، بصورة متسارعة تلقفها المتلقي بشغف أكبر كونها تعتمد على الصورة والسرعة والتقنيات، فلا تزال الإذاعة حاضرة في المشهد الإعلامي، ليس فقط لدى "جمهور السيارات" بل لدى الجمهور الاعم ايضاً. وحتماً فإنّ التحديات كثيرة، من اللحاق بالتطور التقني والتجديد، الى كسب ثقة الجمهور، وكذلك التحدي الأكبر بتحول الجمهور الى وسائل مختلفة فتصبح الإذاعة في اخر سلم أولويات متابعته الإعلامية.
لاذاعة لبنان الرسمية، حصة من هذا الموقع حيث لا تزال تحتفظ بمكانة خاصة داخل المجتمع، كونها ذاكرة تاريخ لبنان، ووجدانه الذي رافق الأجيال من أستوديوهات صنعت اهم الفنانين وواكبت احداث لبنان، فكانت الصلة الوحيدة للمواطنين مع العالم الخارجي خلال فترة الحرب الاهلية، وكذلك كانت منتجاً للمواد الإعلامية والترفيهية والتثقفية في فترة التطور الإعلامي. واليوم يشهد ارشيفها على مكانة خاصة لدى اللبنانيين، ودليل على ذلك أنّ انقطاع البث لمدة ساعة واحدة عن الهواء، قبل شهر، بسبب نفاد المازوت، أظهر مدى محبة الجمهور للإذاعة مع استنكارهم الواسع لغيابها عن الارسال المباشر، نظراً لموقعها الهام في الساحة الإعلامية المحلية.
وفي حديث خاص لـ"لبنان 24" ينطلق مدير الإذاعة اللبنانية محمد غريب في حديثه من عنوان احتفالية هذا العام باليوم العالمي للإذاعة وهو "نعم للإذاعة الثقة"، معتبراً انّ مكانة الإذاعة اللبنانية اليوم تكمن بثقة الناس بالاذاعة، "يثق اللبنانيون ببرامج الإذاعة، وبالمعلومة والفكرة التي تقدمها المحطة لانها لا تبتغي جذب المتلقي بأسلوب بقية الوسائل الإعلامية عن طريق الخبر الناري او التحريف او المبالغة والابهار. فنحن المحطة الوطنية ونتوجه لكل اللبنانيين دون تفرقة او استثناء، ونهدف كما كنا ولا نزال لكسب ثقة الجمهور بنا وبكل ما نقدمه عن طريق باقة من البرامج المتنوعة والهادفة. إضافة الى كوننا صلة وصل بين المواطن والمسؤول".
تحديات العمل الإذاعي
ويتحدث غريب عن الضجة التي رافقت انقطاع البث الإذاعي قبل فترة بسبب مشاكل تقنية لنفاد المازوت وانقطاع الكهرباء عن الإذاعة، "لمسنا محبة الناس للإذاعة، وكنّا على وضوح بأنّة ثمة مشكلة يعاني منها البلد بشكل عام، وكذلك المحطات الإعلامية، وتمت معالجة الازمة فوراً. وما حصل قد يكون ساهم في تأكيد فكرة الحاجة الى الاعلام الرسمي، وخصوصاً الاعلام الهادف الذي يحتوي على رسالة واعلام واضح يساعد على الانتماء الوطني والابتعاد عن المشاكل وترسيخ روح العيش المشترك".
وعن التحديات التي تواجه العمل الإذاعي اليوم بشكل عام وخصوصاً الإذاعة اللبنانية، يقول غريب: "هي تحديات سابقة وأخرى جديدة. نحن حتماً نعاني من مشاكل مالية مستجدة مع الازمة التي يعاني منها البلد، وبطبيعة الحال فنحن لسنا محطة إعلانية تجارية. غالباً ما نواجه تحديات تقنية وأخرى على مستوى البث والارسال الى كل المناطق، وهذا الهدف الذي أعمل عليه منذ تسلمي منصب الإدارة، ولكن للأسف اليوم التحديات المالية وضعت امامنا عائقاً نسعى الى تجاوزه، ولكن لا يمكن إخفاء الحقيقة وهو الحاجة الى موازنة أكبر لتحسين العمل والإنتاج".
وتحصد الإذاعة اللبنانية الكثير من الجوائز العربية، كونها عضواً في اتحاد اذاعات الدول العربية، واخرها جائزة حصلت عليها الإذاعة في المهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون الذي أقامه اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس.
ويختم غريب حديثه مؤكداً السعي لأنّ تبقى الإذاعة الأفضل، ببرامج وسياسة عامة هدفها الجمع وليس التفرقة، وبأن تبقى منبراً لكل اللبنانيين على اختلاف اهوائهم وانتمائهم.
تجربة جهاد الأطرش
ولذكريات الأجيال مع الإذاعة، شهد لبنان على اعلاميين كُثر وممثلين وفنانين كانت بداياتهم من الإذاعة اللبنانية، ومن بينهم علم من اعلام الفن الإذاعي الجميل، وهو نقيب الفنانين السابق الفنان جهاد الأطرش الذي يؤكد دائماً أنّ أول محطات نجاحاته كانت من إذاعة لبنان.
يتحدث الأطرش لـ"لبنان 24" عن العمل الإذاعي، مشيراً الى أنّ دور الإذاعة بقي حاضراً على الرغم من التطور الإعلامي، "نحن بحاجة الى الإذاعة في أوقات كثيرة، وقد تكون احياناً الوسيلة الوحيدة امامنا للتواصل مع ما يحدث في البلد والعالم. والاهم من كل ذلك هو الدور التثقيفي التوجيهي والارشادي الذي تلعبه الإذاعة. وأنا شاهد منذ العام 1960 عندما داخلت للمرة الأولى الى إذاعة لبنان على ماذا كانت تقدّم الإذاعة والدور المهم لها حيث كانت المنبر الوحيد والمساحة الواسعة للجميع دون استثناء".
ولكن هل استطاعت اليوم الإذاعة اللحاق بالتجديد، يقول الأطرش: "اليوم هناك تطور لافت على مستوى الاعلام والتواصل الاجتماعي، ولكن حتماً اعلاميون كُثر يتناولون قضاياهم بواسطة الصوت وهذا مرتبط بالاذاعة. ممكن أن يكون بعض الجمهور ابتعد عن الإذاعة ولكن طبعاً لا يزال هناك جمهور إذاعي واسع".
وعن تجربته الاذاعية يقول الأطرش: "قدمت الإذاعة الكثير لكل من عمل فيها وارشيفها يشهد على ذلك، إن كان على الصعيد الموسيقي او الغنائي والمسلسلات والبرامج التثقيفية ومواكبة الاحداث. وبالنسبة الي كممثل اليوم، فقد كانت الإذاعة المنطلق الأساسي الذي نجحنا بعده على المسرح وفي التلفزيون والسينما، وكانت هي المدماك الأول الذي مرّن الإحساس والصوت والتفاعل. ونصيحة لكل العاملين اليوم في المجال الإعلامي، لا تهملوا الصوت، صحيح الصورة أخذت مكانها وفعاليتها، ولكن يبقى السمع مهم جدا، ويجب تدريب الصوت والاهتمام باللغة العربية وأن نحترم اللغة اولا واخيرا".
وتبقى للإذاعة مكانتها مهما كثرت وسائل الاتصال. وقد حددت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 13 شباط من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالراديو، تزامناً مع ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة في العام 1946.