بعد حلحلة جزئية لعودة المعلمين إلى التدريس، يكثر الحديث عن زيادة أيام التدريس في القطاع الرسمي للتعويض عن أشهر الإقفال القسري، في وقت ينشر البنك الدولي ومنظمة اليونسكو تقارير ودراسات عن تداعيات الإغلاق بسبب جائحة كورونا وأثره على دخل الأفراد المستقبلي، وكلفة تعويض أيام الإغلاق والفاقد التعليمي للتلامذة، علماً أن المدارس الخاصة أغلقت أبوابها نحو 21 شهراً والرسمي 25 شهراً (بسبب الجائحة وإضراب المعلمين).
قبل نقاش تعويض الفاقد التعليمي للسنتين الماضيتين وكلفته، ينبغي معرفة ما تقوم به وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء من خطط بشأن المناهح. إذ إن تصميم المناهج عام 1997 (بغض النظر عن تقييمها) قسّم السنة الدراسية إلى 35 أسبوعاً وخمسة أيام تدريس، ونحو 170 يوم تدريس فعلي. بعدها بسنوات قليلة، قررت الوزارة المركز تقليص أسابيع الدراسة إلى 26 أسبوعاً أو ما يعادل 130 يوم تدريس فعلي، وبالتالي التخلّي عن قسم من المعارف والمهارات، ولا سيما المواد الإجرائية التي تتضمن الفنون والكمبيوتر.
في خطة العودة إلى المدارس للوزير السابق طارق المجذوب، قلّصت السنة الدراسية إلى 18 أسبوعاً و4 أيام تدريس أسبوعياً في الرسمي، وما يعادل 72 يوم تدريس فعلي في الرسمي، وبالتالي كان على المركز التربوي تقليص المناهج مرة أخرى لتتناسب مع أيام التدريس. مع إضرابات المعلمين، أُغلقت المدرسة الرسمية لنحو 4 أشهر، أي ما يعادل 30 يوم تدريس فعلي، من أصل 72 يوماً. بالنسبة إلى الوزارة والمسؤولين التربويين، يكون الحلّ بزيادة يوم تدريس وربما إثنين للتعويض. وتكون الحصيلة أن يدرس التلامذة في التعليم الرسمي نحو 50 يوم تدريس فعلي من أصل 170 يوماً المقررة في التصميم الأساسي للمناهج، ما يعني تكثيف الدروس والمرور عليها بسرعة لإنجاز المنهاج المقرر.
وكان البنك الدولي ذكر في تقريره بعنوان "جيل كامل يواجه خطر الضياع: الآثار المدمرة لجائحة كورونا" أن العبء الأكبر لهذه الأزمة سيقع على الأطفال والشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 4 و25 عاما عامي 2020 و2021، ما سيؤدي إلى خلق تفاوت هائل من جيل إلى آخر. إذ إن بقاء الأطفال والشباب خارج الفصول الدراسية هذه المدة الطويلة لا يعني فحسب أنهم توقفوا عن التعلّم، بل أنهم نسوا في العادة الكثير مما تعلموه. وكما هو واضح من التقرير ومن واقعنا المحلي ان الفئات الأكثر احتياجًا تتحمّل أكبر الخسائر. فالمطروح اليوم ثلاث طرق للتعويض: إعادة فتح المدارس بأمان، الاستثمار في التعلّم عن بُعد، وبرامج التعليم العلاجي للتعويض عن فرص التعلم الضائعة.
في لبنان، تحاول وزارة التربية تحقيق النهج الأول وتتعثر لأسباب مرتبطة بالأزمة الاقتصادية والصحية حيث الأمان والشروط الصحية غير متوافرة في صفوف "مكدّسة" تضم 30 تلميذاً وإجراءات صحية غير سليمة تؤدّي إلى إغلاق صفوف وطوابق وأحيانًا مدارس نتيجة تفشي كورونا، وهذا مشهد نراه يوميًا في المدارس الخاصة حيث الرقابة أشد من التعليم الرسمي.
أما بالنسبة إلى الإستثمار في التعليم عن بعد فحدّث ولا حرج، إذ فشلت مشاريع الوزارة في توفير بنية تحتية لتواصل التلامذة مع معلميهم، وكذلك الموارد التعليمية للمعلمين وحتى الكتاب المدرسي الرقمي (صار متوافرا في الأمس القريب عبر تطبيق) أما التطبيقات التعليمية التفاعلية التي خصصت الجهات المانحة لها أموالا كبيرة فلم تنجز منذ عام 2017.
العقبة الكبرى أن برامج التعليم العلاجية للتعويض عن الفاقد التعليمي لأشهر الإغلاق غير موجودة في حسابات الوزارة، أو أنها في أدنى سلم الأولويات، في وقت تخصص الجهات المانحة هبات لإعادة العمل بالمناهج التي سينتهي إعدادها في العامين المقبلين، لكننا اليوم عالقون في أزمة تعويض الفاقد التعليمي، والإستمرار في معالجة موضعية من دون خطة علاجية متوسطة الأمد سيضاعف الفاقد التعليمي لدى التلامذة ويكون سببًا في تسربهم من التعليم لعدم ملاءمة المناهج مع المستويات المكتسبة خلال الإغلاق.
نحن اليوم متأخرون عن متوسط جودة التعليم العالمي بمقدار 5 الى 6 سنوات من التعليم الفعّال، والخطة العلاجية تأتي قبل إعداد المناهج الجديدة. وهي، بحسب الخبراء العالميين، تحتاج إلى ما بين 3 و5 سنوات لتعويض الفاقد التعليمي وإعادة التوازن إلى مستوى التعليم، فكيف سيكون تقييم المناهج الجديدة المبنية على معارف ومهارات مبتورة بعد 5 سنوات، وما هي الكلفة المستقبلية لعدم تدارك الفاقد التعليمي لهذا الجيل؟