كان لافتاً الموقف الذي عبّر عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد وقوله «إنّ الغاز سيبقى مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من مدّ يده على قطرة ماء من مياهنا»، معتبراً أنّ المبعوث الأميركي لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اموس هوكشتاين "يؤدي دور الثعلب".
وفي هذا الاطار كتبت غادة حلاوي في"نداء الوطن": مفاجئاً أتى كلام رعد الذي لم يجد من يقدّم تفسيراً له. فهل يعبّر عن موقف «حزب الله» وقد نطق رعد بلسان السيد نصرالله بعدما علم «حزب الله» بحقيقة ما حمله هوكشتاين فأعلن موقفه منه علانية؟ أم أنه وقع تحت تأثير آراء أناس أحاطوا به لهم وجهة نظر مختلفة عن وجهة الدولة ورئيسها؟ صمت «حزب الله» يرجح كفة الاجتهاد الشخصي بعيداً عن الموقف الرسمي خصوصاً أن كلام رعد وجّه السهام لرئيس الجمهورية المصرّ على إشراك الثنائي الشيعي بالموضوع. قد يكون فحوى حديث رعد يعكس الموقف المبدئي لـ»حزب الله» لكن اللهجة والهجوم والالتفاف على موقف الدولة كانت موضع استغراب حلفاء «حزب الله» ممن حاولوا الوقوف على حقيقة الكلام وأبعاده. والاستغراب هنا مردّه إلى أن لبنان لا يزال ينتظر جواباً على ما حمله الموفد الأميركي من صيغة للتفاوض أعدّها رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، حملها هوكشتاين التي رأى فيها أفكاراً بحاجة للتطور لجهة المساحات التي تعرضها والخروج من دائرة الخلاف حول الخطوط المقترحة.
المشاورات لا تزال في أولها، والملف سيعرض في ما بعد حكماً على مجلس الوزراء ثم مجلس النواب قبل اتخاذ أية خطوة مصيرية ولذا من المبكر استباق كل ذلك بإعلان موقف نهائي. فما الذي حصل كي يخرج رعد شاهراً هجومه؟ وهل هو توجه عام أو مجرد موقف عابر؟ ربما ستتوضح الصورة أكثر مع الإطلالة المرتقبة للسيد اليوم، فإما سيعرج على الملف ليحدد الموقف منه أو يدعه الى نهاياته ولكل منهما تفسيره.
في المقابل نقلت " الديار" عن مصادر مطلعة على جو الحزب ان الموقف المتقدم لرعد بخصوص ملف الترسيم والذي يأتي بعد مرحلة طويلة من الصمت وتوكيل رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي به بقيادة المفاوضات، هو رد صارم على موقف الخارجية اللبنانية بخصوص الحرب في اوكرانيا باعتبار ان الحزب يدرك تماما ان البيان اللبناني صدر بايعاز اميركي، لافتة في تصريح لـ «الديار» الى ان «مفاوضات الترسيم بعد هذه التطورات باتت اقرب الى كونها معلقة لاننا لا يمكن ان نوكل المفاوضات على ثرواتنا بالنفط والغاز لمن يتنازل عن حقوقنا بمكالمة من السفيرة الاميركية وبطلب او ايعاز منها».
ونقلت " اللواء" عن مصادر سياسية أن تظهير الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، وبين حزب الله، على موضوع ترسيم الحدود البحرية مرده الى تعثر الاتفاق النووي الايراني مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، بعدما كان مزمعا التوقيع عليه واندلاع الحرب باوكرانيا.
وكشفت المصادر ان حزب الله كان على اطلاع على مضمون المحادثات التي أجراها الوسيط الاميركي مع كبار المسؤولين، ولم يبد اعتراضا على توجه الدولة للسير قدما في المفاوضات الجارية، بل على عكس ذلك تماما، كان مشجعا على استمرار التفاوض حول هذا الموضوع حتى النهاية".
وكتبت هيام قصيفي في" الاخبار": ان كلام رعد جعل الرواية المتداولة حول محاولة البعض وضع الحزب أمام الأمر الواقع أقرب إلى التصديق. إذ ثمة معلومات تتقاطع عند نقطة واحدة، وهي أن حزب الله لم يبلغ موافقته على التحول الجديد ليتم التعامل مع موقف رعد على أنه "انقلابي". وهناك من يتحدث عن أن الحزب فوجئ بموقف عون ونقل التفاوض من عند الجيش تقنياً إلى مجموعة شخصيات تصب في خانة فتح جسور علاقة متجددة مع الأميركيين، والحزب متحسّس من هذا الشق في الملف. وثمة من يتحدث في شكل تفصيلي عن أن تراكم "الأخطاء" الديبلوماسية والسياسية من ملف الحدود البحرية إلى الموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا، جعل من المستحيل على الحزب إبقاء الملف نائماً، والاكتفاء بمعالجة الثغر في الكواليس واللقاءات المشتركة. صحيح أن الحزب مرتاح إلى قواعد ناخبيه الانتخابية ولا يحتاج إلى ملف الترسيم لكسب أصوات قاعدته، لكنه يحتاج إلى إعلان موقفه الرافض علانية. لذا قد يكون توقيت الموقف الرسمي الصادر عن الخارجية من روسيا عجّل من حركة الحزب الالتفافية، إضافة إلى أن المعلومات التي تتسرب حيال فتح خطوط واسعة مع واشنطن ساهمت في اللجوء إلى العلانية في توضيح موقف الحزب. لكن أن يقول رعد كلامه لا يعني أن المرحلة التي تليه أصبحت واضحة.
وكتب محمد شقير في " الشرق الاوسط": أن الحزب أراد أن يصيب عصفورين بحجر واحد بتوجيه رسالة واضحة إلى الوسيط الأميركي بأن لا مجال لإنجاح مهمته من دون العودة إليه بما يؤدي إلى رفع العقوبات وشطبه من لائحة الإرهاب، وإعلام رأس الدولة اللبنانية أنه لا يستطيع أن يحرّك ساكناً بتفرّده باتخاذ قرار استراتيجي بحجم ترسيم الحدود البحرية، وسأل؛ لماذا لم يتطرق نصر الله في خطابه الأخير إلى مسألة الترسيم، ليطل فجأة النائب رعد، ويأخذ الموقف منها بخلاف رأي رئيس الجمهورية؟
وأكد المصدر نفسه أن ترسيم الحدود لم يعد يقتصر على مشاركة لبنان في المفاوضات غير المباشرة برعاية أميركية، وقال إن له امتدادات إقليمية ودولية، وإن إبعاد «حزب الله» عن الملف هو إبعاد لحليفته إيران القادرة على التدخّل لفض النزاع اللبناني - الإسرائيلي حول الحدود البحرية، وبالتالي لا يمكن إسناد مهمة رعاية التفاوض غير المباشر إلى واشنطن، من دون إشراك طهران، وهنا يكمن الخلل، لأن الأخيرة لا تكتفي بما يصدر من مواقف إيجابية تتوقع الإعلان قريباً عن التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي، وإنما تتطلع إلى أفعال تحت سقف رفع العقوبات عن طهران.
لذلك، فإن ترسيم الحدود، بحسب المصدر السياسي، يجب أن يمر عبر إيران، أسوة بالولايات المتحدة التي يبدو أنها تربط استجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، وأيضاً استجرار الغاز المصري بالطريقة نفسها، بموافقة لبنان على اعتماد الخط البحري 23 كإطار عام لحدوده البحرية جنوباً، وإلا لماذا هذا التأخير في عملية الاستجرار؟ برغم أنها محصّنة، ولا ينطبق عليها قانون قيصر لأسباب إنسانية، برغم التضارب في تحديد المواعيد للإفادة من هذا الاستجرار.