ما كان ينقص المواطن اللبناني سوى الحرب الروسية الأوكرانية لتتراكم الأزمات حوله ،وكأن ما يجري من انهيار إقتصادي ومالي غير كاف.
فمن القمح إلى الغاز والمحروقات إلى المواد الأولية والسلع الأساسية، يدفع اللبناني اليوم ثمن حرب لا ناقة له ولا جمل فيها، ويغرق يوماً بعد يوم في تداعيات أزمة خطيرة ترخي بثقلها على واقعه المأزوم.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الإقتصادي الدكتور سامي نادر، إلى أن أزمتي المحروقات والقمح، هما من أهم التداعيات الإقتصادية والمالية للحرب الروسية – الأوكرانية، لا سيما بعدما شكل ارتفاع أسعار النفط صدمةً في الأسواق، مشدداً على أنه اذا استمر هذا الامر فهذا الأمر يعني تعميق الركود داخل الأسواق على المستوى العالمي وارتفاعاً في الأسعار والتضخم ما سينعكس سلباً على سوق العمل ويؤدي إلى از دياد نسبة البطالة.
ولفت في حديث عبر "لبنان24" إلى أن هذه الأزمة ستؤدي إلى ما يعرف بالحرب الباردة السوداء، الأمر الذي سيعيق حتماً التجارة العالمية وسيعمق الإنقسام ما بين الدول ، وسيفضي حتماً إلى اضطرابات إجتماعية، خصوصاً وأن معظم الثورات أتت نتيجة الأزمة العالمية في العام 2008، مشدداً على أن سياسات الحكومات ستتغير، ما سيجبر الدول الأوروبية على التوجه نحو المزيد من الإنفتاح.
وتابع: نحن اليوم في حاجة ماسة لتسوية سريعة للجم الإرتفاع الكبير في الأسعار والتضخم ، إضافةً إلى الإرباك في تأمين المواد الأولية وارتفاع أسعارها وما سينتج عن ذلك من تداعيات إجتماعية وسياسية، مشدداً على إننا أمام تحوّل خطير يحمل الكثير من المخاطر خاصة أنه يأتي بعد جائحة كورونا.
هذا على الصعيد العالمي، أما على الصعيد اللبناني، فرأى نادر أن ارتفاع أسعار المحروقات الذي حصل، سيكون دراماتيكياً له، لأنه مترافق مع انهيار العملة الوطنية وانهيار الإقتصاد والقدرة الشرائية للمواطن، مشدداً على أن هذا الإرتفاع الكبير للنفط عالمياً بنسبة 70 و80% سينعكس سلباً على الليرة ويزيد الضغط عليها وسيزيد من عجز ميزان المدفوعات.
وعن الحلول التي من الممكن اتخاذها للتخفيف من تداعيات هذه الأزمة على الداخل اللبناني، قال نادر: "ما في شي بينفع غير الصلاة".
شماس
"ما نشهده اليوم غير طبيعي وغير كلاسيكي" بهذه العبارة وصف رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس الوضع العالمي للنفط الذي يشهد تغييرات ليست على الإطلاق بسيطة كما كنا نشهدها عادة، لأن ما نراه اليوم هو ارتفاع يزيد عن 50%، ما أثر بشكل سلبي على استيراد البضائع وترجم زيادة في الأسعار بطريقة سريعة وحادة.
ولفت شماس في حديث عبر "لبنان24" إلى أن البضاعة الروسية كانت تصل منذ فترة بكميات أقل من العادة إلى المنطقة لأنهم كانوا يتحضرون للحرب الدائرة اليوم، ما أدى إلى انكماش في الكميات التي تصل ليس فقط الى لبنان، بل إلى كل الدول التي تعتمد على التصدير الروسي، مشدداً على أن المصادر البديلة اليوم موجودة، إلاّ أن اكثر من بلد يتصارع لأخذ الكميات التي باتت أقل من حاجة السوق بسبب نقص الكميات من روسيا، كما أن الكميات المتاحة، بدأت تشهد مزايدات في السعر من قبل الدول التي تسعى إلى تأمين حاجات شعبها.
ولفت إلى أن الدول تعمل على استدراك هذه الأمور وتعمد إلى تخزين هذه المواد الاساسية، فيما يعرف بالمخزون الاستراتيجي الذي يتم استعماله في مثل هذه الحالات، إلا أن هذا المخزون سيتعرض للنقص وستعمل الدول على التعويض عنه إلى حين انتهاء الحرب وعودة الأمور إلى طبيعتها، مع العلم أن هذا الأمر غير متوفر في لبنان، لأن المخزون الذي كان موجوداً ويكفي لمدة شهر، بدأ استعماله بعد العام 2019 وبعد الأزمة التي حصلت مع المصارف وبالتالي لم يعد أمام المستوردين هذا الهامش لتغطية السوق في حال حصول تقلبات، ما أدى الى زيادة الضغط على شركات الإستيراد، كما أن الدولة باتت غير قادرة على الإستيراد، وبالتالي عليها مصارحة الشعب بهذا الأمر.
الأمن الغذائي بخطر ولكن لا داعي للهلع
كما على صعيد المحروقات، كذلك على صعيد الأمن الغذائي الذي بات في خطر، خصوصاً وأن كل المواد الأولية التي يتم استعمالها هي مستوردة في الخارج.
برباري
وفي هذا الإطار، أشار مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الإقتصاد المهندس جرجس برباري، إلى أن أزمة القمح والطحين في لبنان لا تزال ضمن الإطار المضبوط، خصوصاً وأن المخزون يكفي لمدة شهر ونصف الشهر على أبعد تقدير، بعد تضرر الإهراءات في مرفأ بيروت، مطمئناً إلى أن المخزون الذي ينقص يومياً، يتم تعويضه من خلال الإستيراد من بولدوفيا وبلغاريا وبدأت الإتصالات مع فرنسا لاستيراد القمح من هناك.
ولفت برباري ، عبر"لبنان24" إلى أن استيراد الطحين كبديل عن القمح دونه الكثير من العقبات، خصوصاً وأن الطحين يخضع لضريبة 14% ، ومن هنا على الدولة وفي حال اضطررنا إلى استيراد الطحين، إزالة هذه الضريبة، منعاً لارتفاع سعر الخبز بشكل كبير، أو على مجلس الوزراء العمل على استيراد الطحين والعمل على طرح الصوت أمام الدول المانحة لتأمين القمح والطحين.
وأكد برباري أن الدولة على أهبة الإستعداد لتقديم كل ما يلزم، وهي سمحت بالإستيراد السريع للقمح من دون أي تأخير متى دعت الحاجة.
وعن تأثير هذا الأمر على سعر ربطة الخبز، أوضح بربار ي أن هذا الأمر متروك للوقت وأن احداً لا يعرف قيمة الإرتفاع الذي سيكون حتمياً في الأيام المقبلة، لا سيما مع ارتفاع أسعار القمح والسكر والنفط، وفي حال لم يتم رفع سعر الربطة ، فسيتم تخفيض وزنها.