ينتشر اللبنانيون في أكثر من بلد أوروبي لاسيما في فرنسا وبلجيكا وألمانيا واسبانيا وغيرهم، ويعيشون في هذه البلاد في حالة من الأمان والاستقرار على المستويات كافة، اذ انهم مع حفاظهم على بعدهم الوطني اللبناني استطاعوا ان يندمجوا في المجتمعات الاوروبية ويتحولوا الى مواطنين ملتزمين بالقوانين التي تؤمن لهم بدورها الحماية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وبعيدا عن الأسباب الفردية التي دفعت اللبناني الى التوجه نحو اوروبا، يظهر سبب جامع ومشترك لدى مختلف المغتربين اللبنانيين في تلك البقعة من الارض يتمثل بالبحث عن مجتمع يعمه السلام ويسوده مبدأ الحقوق الممكنة.
وفي تلك المجتمعات تمكن اللبناني من ان يبرز ويتقدم ويتألق فحصد النجاحات ومعها حصد الأموال التي تم ارسالها الى المصارف اللبنانية فتبخرّت بفعل فاعل وضاعت وسط الانهيار اللبناني الكبير.
وقد يشكل ضياع هذه الأموال ضربة اولى موجعة لأجيال متتالية من مغتربي اوروبا الذين استهواهم النظام المصرفي في بلدهم الأم فتحول جنى عمرهم الى "شيكات" مصرفية أو تحويلات داخلية أو الى بعض الليرات اللبنانية في أحسن الاحوال.
وبعد هذه الضربة الموجعة وبعد فترة زمنية وجيزة، انطلقت شرارة الحرب في أوكرانيا ومعها انطلق الانقسام الدولي ما بين عالم أوراسي وآخر أطلسي.
ووسط هذا الانقسام المترافق مع حالة من الفوضى في الداخل اللبناني التي أدت الى طرح علامات الاستفهام حول بيان الاستنكار الشهير الذي صدر عن وزارة الخارجية اللبنانية، كيف يبدو واقع اللبنانيين في اوروبا وهل ستتأثر مصالحهم بفعل الحرب بين روسيا واوكرانيا؟
في هذا الاطار، لا يخفى على احد التخوف الأوروبي العام من توسع دائرة الحرب، ولا يخفى على أحد الواقع الحربي او الدفاعي بالاضافة الى الاقتصادي للقارة العجوز الآخذ بالتراجع على الرغم من المحاولات العديدة التي تتمثل في اكثر من اتحاد وجامعة كـ"الاتحاد الأوروبي" و"حلف الناتو" وسواهما من اشكال البحث عن الوحدة التي تحدث القوة.
وبالحديث عن القوة، يبدو ان أوروبا سلّمت جدلا عن قناعة او عن غير قناعة وبطريقة غير معلنة بأن القوة لا بد لها من ان تتمركز في يد القطب الأبرز الا وهو الولايات المتحدة الأميريكية.
لكن اليوم وعلى الرغم من الايمان المطلق بضرورة تغليب لغة العقل والحوار وعدم الانجرار الى العنف في مختلف أساليبه، يبدو ان ما تقدم عليه روسيا سيؤدي الى خلق موازين قوة جديدة لم تتضح نسبها النهائية حتى الساعة.
وفي انتظار التطورات وفي ظل التخوف الاوروبي لاسيما من استهداف ننوي قد لا تحمد عقباه قال مصدر مسؤول في اوساط الجالية اللبنانية في فرنسا ل "لبنان 24"، ان " أحوال اللبنانيين في فرنسا كما مختلف دول أوروبا يمكن وصفها خلال هذه الفترة بالقلقة، اذ اننا على غرار مختلف الموجودين في دول أوروبا بتنا لا نعرف ان كانت ستستمر حالة الاستقرار التي دفعتنا لترك بلادنا واللجوء بطريقة او بأخرى الى حيث نحن اليوم.
وللحقيقة بتنا رهينة الأخبار العاجلة والمتابعة المستمرة لما يجري في أوكرانيا ولتداعياته لاسيما في ما يخص موضوع العقوبات المالية التي قد تطال روسيا والتي بطريقة أو بأخرى ستؤثر على الواقع الاقتصادي في أوروبا، وبالتالي على واقعنا ونمط وأسلوب حياتنا.ناهيك عن المخاوف التي نتشاطرها مع سكان وأبناء البلاد التي تستضيفنا والتي في معظمها تتمركز حول امكانية توّسع الحرب، لاسيما ان تحليلات كثيرة تؤكد ان الظروف التي أدت لنشوب الحروب العالمية مشابهة جدا لما يجري اليوم بين روسيا وأوكرانيا".
ويضيف " كنا نتمنى ان نستمر في مواصلة اعمالنا وانشغالاتنا اليومية التي اعتدناها بعيدا عن اي تهديد ممكن، لكننا بتنا ومع الأسف في قلب التهديد وهذا ما يعيد الى جزء لا بأس من المغتربين ذكريات زمن الحرب في لبنان التي يمكن التأكيد انها السبب الرئيسي لهجرتنا وخروجنا من أرضنا".
وعن امكانية العودة الى لبنان بحال تطورت الأوضاع العسكرية يؤكد المصدر انه " على الرغم من تمسكنا بوطننا الأم لكننا بتنا من نسيج المجتمعات التي استقبلتنا واحبتنا وللحقيقة لم نرسم اي سيناريو في هذا الاطار، لكننا في كل منطقة نجتمع كجالية في تنظيمات او جمعيات يتم خلالها التشاور في مختلف الاوضاع، وأظن ان اي تطور على الارض سيدفعنا الى التشاور مع بعضنا البعض حتى نتمكن من خلق مساحات آمنة للجميع".
وعبّر المصدر عن ارتياح شريحة واسعة من اللبنانيين للبيان الذي صدر عن وزارة الخارجية اللبنانية في بيروت والذي أخذ بعين الاعتبار البعد الانساني قبل اي شيئ آخر".