وفقا للتصنيفات الوزارية القائمة التي تضع بعض الحقائب في خانة السيادية واخرى في خانة الخدماتية، تجد وزارة الاعلام في لبنان نفسها ضائعة، لا بل مشردة، في ظل هروب سياسي شبه دائم منها، اذ انها لا تشكل عامل جذب للتيارات والأحزاب على تنوعها واختلافها.
واللافت انه مع تشكيل حكومة "معا للانقاذ"، عادت وزارة الاعلام الى الواجهة من باب تصريحات الوزير السابق جورج قرداحي وما خلفته داخليا وخارجيا.
واليوم أيضا مع تولي المهندس زياد مكاري حقيبة الاعلام، تعود هذه الحقيبة الى الضوء من جديد، وذلك نسبة للدور السياسي المفترض ان يلعبه وزيرها بهدف الحفاظ على التوازن السياسي الذي بناء عليه ابصرت مراسيم الحكومة النور.
لكن بعيدا عن الدور السياسي للوزير مكاري يبدو ان الوزير الجديد امام مهمة ادارية من العيار الثقيل، فالعارف بأمور وزارة الاعلام يدرك تماما ان الترهل أصابها من كل الاتجهات، والدور الأساسي الذي وجدت من اجله تآكله الزمن بفعل التطورات التكنولوجية والاتصالية الكثيرة وبفعل النظام السياسي القائم الذي ،عن قصد او غير قصد، ادى الى تهميش كل ما هو رسميّ وتحت ادارة الدولة اللبنانية.
لذلك، أي دور ممكن لوزارة الاعلام في ظل عالم حديث تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي وفي ظل انهيار لليرة يدفع بموظفي الوزارة بكل أقسامها الى الهروب نحو ما يؤمن معيشتهم وما يحفظ استمراريتهم؟
للحقيقة، تبدو الاجابة على الشق الثاني من السؤال غير ممكنة، اذ ان واقع الليرة يطال الجميع دون استثناء، وهو بحاجة الى خطة اصلاحية شاملة تحاول الحكومة جاهدة الوصول الى صياغتها على الرغم من تمسك الاحزاب بنفسها الشعبوي نظرا لاقتراب موعد الانتخابات النيابية.
أما فيما يتعلق بالشق الأول من السؤال، فلا بد من الاشارة الى ان وزارة الاعلام تضم اكثر من مديرية وقسم، فتلفزيون لبنان والاذاعة اللبنانية والوكالة الوطنية للاعلام ومديرية الدراسات والابحاث تحت ادارتها بطريقة او اخرى، الى جانب المجلس الوطني للاعلام الذي من غير الواضح ما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه في ظل وجود وزارة ووزير للاعلام.
في كل الاحوال، لا تبدو الادارات التابعة للوزارة على خير ما يرام، فالمجلس الوطني للاعلام منتهي الصلاحية وهو بحاجة لاعادة تعيين اعضائه عبر مجلسي الوزراء والنواب، وهنا اشكالية طائفية وحزبية مستمرة ولم تصل الى خواتيمها حتى اللحظة.
اما تلفزيون لبنان، فهو ومنذ عودته الى البث متروك على قارعة الاهتمامات الحكومية، لا بل متروك لتعيينات قضائية تعصف به من هنا وهناك حتى أصبح شبه غائب على الرغم من الطاقات الكثيرة والكبيرة اللوجستية والبشرية التي يكتنزها.
وفي ما يخص الاذاعة اللبنانية، فانها تتشارك معضلة انقطاع الكهرباء مع الوكالة الوطنية للاعلام التي تغيب فجأة عن الهواء ومن ثم تعود وكأن شيئا لم يكن.
والحال نفسها تنطبق على مديرية الأبحاث والدراسات التي تحتار كيف تحدد تموضعها في بلد غالبا ما يعتمد على الحلول المؤقتة والسريعة.
والمشترك بين كل هذه المديريات هو مشاكل التعاقد وشراء الخدمات، فضلا عن اعداد من الموظفين الغائبين هنا وهناك، ولا ننسى طبعا المستشارين الذين استطاعوا الصمود من ولاية الى اخرى.
أمام هذا الواقع، لا بد من السؤال عن امكانية تحديث الوزارة ونقلها من نموذج تقليدي مهترىء الى اطار فاعل ونشيط، وذلك قد يكون عبر اعتماد نظام الدمج والتكامل بين مؤسساتها، فيصبح مثلا للبنان مؤسسة اعلامية واحدة تضم الاعلام المرئي والمكتوب والمسوع والحديث على غرار النموذج البريطاني والأميركي والفرنسي، فيتم التخلص من التشتت الحاصل ومن الفائض غير المبرر في اعداد الادارات وما يتبعها من ميزانيات ومصاريف.
وفي الاطار، لا بد من الاشارة الا انه بين يدي الوزير الجديد نموذج عن التكامل الاعلامي اعتمدته مدينته زغرتا عبر خلقها "شبكة زغرتا الاعلامية" التي، وعلى الرغم من محليتها وعدم انتشارها على مساحة الوطن، استطاعت ان تقدم نموذجا ناجحا في مجال الاعلام المناطقي الذي يتقن فن التشبيك بين المرئي والمكتوب والمسموع.
اذا، صورة معقدة تدور في فلك وزارة الاعلام في الصنائع، فهل سيتمكن الوزير مكاري من فكفكة هذه العقد، وهل سيتمكن من تقديم نموذج جديد في العمل الاداري والاعلام، يعيد الاعلام الرسمي الى الواجهة ومعه الخطاب الوطني الجامع الذي بات عملة نادرة في زمن الانقسامات المتتالية؟