منذ انكفاء "تيار المستقبل" عن الحياة السياسية اللبنانية وتعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي وعدم خوضه معركة الانتخابات النيابية، وبعض القوى المحليّة تعمل على استقطاب جمهور "المستقبل" للاستفادة من الفراغ الذي تركه الحريري وتياره في الشارع السني، الأمر الذي لم يكُن سهلاً أو ميسّراً على الاطلاق!
عدة قوى سياسية توغّلت في البيئة السنية بشكل مباشر، وأوّلها "القوات اللبنانية" التي سعت لتعبيد الطريق نحو الساحة السنية قبل انكفاء الحريري، وكثفت جهودها لاجتذاب قواعده الشعبية وذلك عبر تقديم الخدمات وتمويل بعض النشاطات.
يعتقد "المستقبليون" أنّ رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع خطط منذ مدة لبسط يد حزبه على مناطق نفوذ "التيار الازرق" مستفيداً من دعم المملكة العربية السعودية ظنّاً منه أن ذلك من شأنه أن يقرّب المسافة بينه وبين وجمهور الحريري، إذ عمل على دغدغة نقمتهم على "حزب الله" عبر مواجهات اعلامية عالية النبرة، لكنّ ذلك كله لم يُجدِ نفعاً حيث أن تصويب "تيار المستقبل" بشكل مباشر على "القوات" بُعيد اعلان الحريري تعليق العمل السياسي وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأمور أدّى الى عرقلة أهداف "القوات" التي انتبهت الى أن "متراس" الحريري لا يمكن اختراقه، وان قاعدته الجماهيرية تزداد صلابةً كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية، وبات التحالف مع "القوات" من أي طرف في الساحة السنية أشبه"بالخيانة العظمى" لمسيرة "المستقبل" ما شكّل "رُعباً" لدى بعض الطامحين لئلا تصبح الخسارة مدوية!
ولعلّ "القوات اللبنانية" أدركت أيضاً أنها عاجزة عن الاستقطاب المباشر للشارع السني، كما أنها اكتشفت في نهاية المطاف أن التحالف مع شخصيات سنية وازنة أمر غير قابل للصّرف.
ثمة وجهة نظر تتناقلها "القوات اللبنانية" كردّ على ما اعتبرته اتهامات من نسج الخيال والتي تقول بأن رئيس الحزب سمير جعجع أكّد في اكثر من جلسة سياسية وحزبية واجتماعية ضيّقة انه لم يسعَ يوماً للسيطرة على الشارع السني بهدف وراثته كما يروّج بعض "المستقبليين" لمآرب غير مفهومة، بل عمل ضمن أطر الخطاب السياسي الذي يجذب الشارع السني تحديدا المدرك تماما لمن يخطط للهيمنة على الساحة السنية في لبنان.
وتنفي أوساط "القوات" أي نية بإزاحة أي طرف من الساحة السّنية لتحّل مكانه، لافتة الى أنها لم تعمل مع أي دولة عربية او غير عربية من أجل تحقيق ذلك، بل على العكس، فإن من يستعرض اليوم مشروعه السياسي كبديل عن الحريري في الشارع السني لا علاقة له بـ"القوات" على الاطلاق! وتضيف المصادر أنه رغم عدم تحالف الشخصيات السنية في بعض مناطق نفوذ "المستقبل" مع "القوات" غير أنّ العديد من الوجوه السنية قد عقدت تحالفاً معها في بعض الدوائر وفق المصلحة الانتخابية لا سيما وأن القانون الانتخابي يفرض معايير محددة على جميع القوى السياسية.
بدوره حاول "حزب الله" وفريق الثامن من آذار الاستثمار في فراغ الحريري، ولكن بأسلوب أكثر دهاءً ، إذ إن "الحزب" لم يسعَ لاستقطاب جمهور "المستقبل" ولا الى فرض مرشحين بل عمل على خطّين؛ الخط الاول هو الخدمات الاجتماعية في بعض المناطق المحدودة، كعرسال وعكار، الامر الذي خفف من حدة المواجهة بينه وبين الشارع السني. اما الخط الثاني الذي انطلق منه "الحزب" بشكل واضح فهو الاستثمار في قادة الثامن من آذار في الطائفة السنية، الذين عُهد اليهم العمل على تحسين واقعهم الشعبي من دون الظهور بمظهر ورثة "المستقبل".
تجدر الاشارة أيضاً الى ان أطرافاً سنية من صلب البيت الداخلي طمحت لخلافة "المستقبل" في الشارع السني، كالنواب الحزبيين الذي يسوقون أنفسهم في بعض المناطق، الامر الذي تمكّن "المستقبل" من الحدّ منه من خلال البيانات والتصريحات التي أكدت على طلب استقالة أي شخصية لا تلتزم بقرار القيادة بتعليق العمل السياسي، ما جعل من هؤلاء المرشحين الذين وصفوا في بعض الأوساط بـ "المتمرّدين" محدودي العدد!
اخيراً، أطلّ الرئيس فؤاد السنيورة الذي لم يتّضح حراكه السياسي بعد ومدى حجمه، لكن البعض يراهن عليه على اعتباره الاكثر قدرة على الاستقطاب الشعبي في الشارع السني ولدى جماهير "المستقبل"، ولعلّ مراقبة حراك السنيورة الانتخابي يحدّد ما إذا كان قادراً على الاستمرار بنفس الدّفع الذي بدأ منه قبل اسابيع قليلة.