مما لا شكّ فيه، وهذا ما يجمع عليه الذين يتطلعون إلى قيامة حقيقية للوطن من تحت ركام الأزمات المالية والإقتصادية، أنه من دون عودة ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي لا يمكن الرهان على أي تقدّم يُذكر في مجال المفاوضات ع صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر أن إستعادة القطاع المصرفي لدوره الإنمائي السليم هو الأساس لعودة الحركتين الإقتصادية والمالية إلى طبيعتهما، إذ من دون هذه الثقة لا يمكن أن تستقيم الأمور، مع ضرورة إجراء هيكلة سريعة لهذا القطاع بكثير من الدقة والحذر. فإذا إنهار النظام المصرفي القائم على مبدأ الإقتصاد الحر ستضيع أموال المودعين وسيتلاشى أي أمل في إمكانية إستعدادتها، ولو بعد حين.
فبعد مرور حوالى ثلاثة أعوام على بدء العملية الممنهجة لإنهيار القطاع المصرفي لا يزال الحديث يجري حول وضع استراتيجية للتصحيح المالي، تتضمن إعادة هيكلة هذا القطاع ، مع حتمية التوصل الى توافق حول الحجم الفعلي لخسائر القطاع المصرفي وكيفية توزيعها، وهو الأمر الذي يشكل عائقا رئيسا لإنطلاق عملية إعادة الهيكلة. فالمطلوب أولًا الإتفاق على استراتيجية التصحيح المالي والإعلان عنها، وهو ما يسعى إليه رئيس الحكومة.
فعملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي تنطلق بعد أن تقّرر الحكومة كيفية التعامل مع الودائع وخسائر مصرف لبنان، حيث من المرجّح أن تشكّل لجنة فنية مهمتها تسوية أوضاع المصارف ويمكن أن تضمّ ممثلين عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف ووزارة المالية، على أن تُعطى سلطة تنفيذ عملية إعادة الهيكلة بكافة الأدوات المتاحة، حيث تبدأ عملها بدراسة وضع كل مصرف على حدة، ومن ثم تنفيذ عملية الإنقاذ وعملية الهيكلة وفقا للإطار المعتمد من الحكومة لهذه العملية. كما من مهمة تلك اللجنة إتخاذ قرار تصفية بعض البنوك إذا لزم الأمر، ودمج بعضها الآخر أو إصلاح ميزانياتها، إذ لا يوجد في الوقت الحالي قانون يرعى عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولا تملك أي جهة الصلاحية القانونية للقيام بذلك، وبالتالي فإن أي قرار قد تعتمده الحكومة ضمن استراتيجيتها للتصحيح المالي، كتوزيع الخسائر على سبيل المثال، لا يمكن أن تتحقق من دون وجود قانون إعادة الهيكلة واللجنة المختصة بذلك، لأن قوانين الإفلاس العادية القائمة، لا تتلاءم مع موضوع إصلاح المصارف ومواصلة عملها، مما يشكل ضررًا إضافيًا أكبر على الإقتصاد.
فإعادة هيكلة القطاع المصرفي تم اعتماده في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك في اليونان وقبرص على سبيل المثال. ومن شأن ذلك تسريع عملية إنقاذ المصارف، مع ضمان مواصلة عملها، وبالتالي إستعادة الثقة بها. كما من مهمة اللجنة تغيير إدارات المصارف، مما يصّب في مصلحة المودعين ويضاعف إحتمالات التعافي. ويحق للجنة إلزام إدارات المصارف بإعادة الرسملة بالسيولة النقدية بالدولار.
فالحكومة، كما هو واضح، تعمل على تحديد إجمالي حجم خسائر القطاع المالي، إنطلاقًا من درس وضع كل مصرف على حدة.
يذكر أن نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أوضح في في بيان له مؤخرًا، أنه تم خلال الأسبوع الفائت عقد عدّة إجتماعات مع صندوق النقد الدولي تر ّكزت على المواضيع التالية: مشروع قانون "الكابيتال كونترول" وملاحظات الصندوق عليه، موضوع السرية المصرفية وضرورة تعديل بعض المواد في القانون الحالي، إستكمال البحث في موضوع القطاع المصرفي بهدف حماية المودعين قدر الإمكان، ولا سيما الصغار منهم، وإعادة تفعيل دور القطاع المصرفي بشكل يخدم الإقتصاد، من خلال تمويل القطاع الخاص، وذلك لتحفيز النمو وخلق فرص عمل. كما تناول البحث مساهمة الجميع في تحّمل المسؤولية للتعامل مع خسائر القطاع المصرفي، مع ضرورة الإلتزام بالمعايير الدولية لحل هذه الأزمة. ولهذه الغاية، تم الإتفاق على تحضير مشروع قانون للتعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بعد الإتفاق على استراتيجية التصحيح المالي.
ويبقى أن نسأل، والذين يسألون كثر: من هي الجهة المستفيدة من إنهيار القطاع المصرفي وتغيير هوية لبنان الإقتصادية.