يواصلُ محققو مديرية المخابرات في الجيش التحقيقات مع السوري حسن الغنّاج، المتهم بالمشاركة في تنفيذ جريمة أنصار مع المدعو حسين فياض.
المعلومات الأخيرة التي خرجت من التحقيقات تشيرُ إلى أنّ الغنّاج لم يدلِ باعترافاتٍ جوهريّة، في حين أن السعي كبيرٌ من قبل المحققين لمعرفة الدوافع المرتبطة بالإقدام على الجريمة.
ماذا وراء بروز اسم محمد ناصر الدين؟
منذ لحظة توقيف الشاب السّوري، مساء الأحد، اتجهت الأنظار بشكل كبير إلى الشاب محمد ناصر الدين الذي قيل أنه ساهم في إلقاء القبض على الغناج قبل أن يقع الأخير بقبضة مخابرات الجيش في البقاع. في غضون ذلك، فإن الخلفيات وراء بروز اسم ناصر الدين وحده دون سواه، طرح الكثير من التساؤلات التي تعزّزت أكثر يوم أمس الإثنين، إثر تنفيذ قوة من مخابرات الجيش مداهمة لمبنى يعود لآل ناصر الدين في الهرمل.
تشيرُ المعلومات إلى أن محمد ناصر الدين مطلوب بعدة مذكرات توقيف بجرم تهريب أشخاص عبر الحدود بين لبنان وسوريا. الأمرُ هذا حقيقي في الواقع، إذ لناصر الدين دوراً على صعيد تهريب الأشخاص لقاء أموالٍ يتقاضاها من الذين يهربهم بشكل شخصي عبر الحدود. ولكن المعطى الأساس الذي يحتاج لإجابات: لماذا محمد ناصر الدين هو الذي ارتبط اسمه "حصراً" بعملية الايقاع بحسن الغناج وليس أي شخص غيره؟ كيف استطاع الوصول إليه؟ هل كانت القوى الأمنية على تنسيقٍ معه لتأدية مهمة محددة لصالحها على الرغم من أنه مطلوبٌ لديها؟
التساؤلات هذه ترتبطُ بفرضياتٍ وسيناريوهات تساهم في تقريب جزء من الحقيقة إلى أذهان الناس، في الوقت الذي تتكتّم فيه القوى الأمنية والمخابرات على تفاصيل العملية الكاملة، وذلك لدواعٍ أمنية. وحتماً، الأمرُ هذا معروف، إذ أن أجهزة الاستخبارات لا تكشف خططها للعلن، والكتمان على بعض التفاصيل قد يساهم في كشف خيوطٍ كبيرة ضمن أي قضية.
في البداية، فإن السيناريو الأول الذي يتم الترويج له هو أنّ علي فياض، شقيق حسين فياض، منفذ الجريمة، هو الذي أقنع حسن الغناج بطريقة ما، للعودة إلى لبنان، أي استدراجه. وهنا، فإن هناك بعض المعطيات والادلة التي تشيرُ إلى تواصلٍ حصل بين علي فياض والغناج قبل عودة الأخير إلى لبنان. عند هذه النقطة، يطرح السؤال الأساس: هل كان تواصل فياض مع الغناج مرتبطاً بتوجيهات من فرع المعلومات لاستدراج الأخير؟ ما هي الذريعة التي يمكن لفياض إقناع الغناج بها من أجل العودة إلى لبنان في حين أن هناك جريمة باتت معروفة والأكيد أن أصداءها وصلت إلى سوريا؟ ما هو الشيء الوحيد الذي دفع الغناج للمخاطرة والعودة؟ ما هي الثغرة التي وجدت لجعل الغناج يعود إلى لبنان؟
في المقابل، فإن الفيديو المتداول عن مكالمة بين شقيق حسين فياض وغناج والحديث عن تاكسي سيقل الأخير من حمص في سوريا، يطرح تساؤلاً عما إذا كان فياض على تنسيق مع صاحب التاكسي الذي توجه إلى غناج، أو إذا كان على علم بالجهة التي ستنقله إلى الحدود.
ضمنياً، فإن السيناريو الأول لا يأتي على ذكر ناصر الدين أبداً، لكنه يلمحُ إلى وجود عناصر مخفية تتعلق به.. فالتاكسي الذي سينقل غناج إلى الحدود سيوصله إلى جهات محددة من المهربين، وبالتالي سيكون هناك اتفاق مسبق مع أحدهم.. ففي حال كان فياض يعلم بأمر التاكسي، فإن الاكيد أيضاً أنه سيكون عارفاً بأمرِ المهرّب الذي سيُدخل غناج إلى لبنان.. والسؤال هنا: هل المهرب هو نفسه محمد ناصر الدين؟
السيناريو الأول المذكور أعلاه يركز على عملية جلب الغناج إلى لبنان، لكن التساؤلات حوله كثيرة وعميقة كون الكثير من الخيوط بشأنه غير واضحة. من جهة أخرى، فإن السيناريو الثاني الذي يجري الترويج له يشير إلى أنّ غناج، وقبل دخوله إلى سوريا، استعان بناصر الدين لتهريبه عبر الحدود ودفع له مبلغاً من المال.
فعلياً، فإن هذا الأمر - إن حصل - يمكن أن يكون قد جرى قبل الإعلان عن الجريمة وقبل تعميم صورة الغناج عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد انكشاف ما حصل في أنصار. ولهذا، فإن الأمر هنا يعني أن ناصر الدين قد لا يكون على علمٍ بالغناج وهويته، وبالتالي لا دراية له بشأن ما حصل، لأنه سيكون قد ورط نفسه بقضية لا تعنيه. فالجريمة بدأت تتفاعل اعتباراً من يوم الخميس، والجمعة كانت عملية انتشال الجثث من المغارة، وفي اليوم نفسه جرى تناقل صورة الغناج، وقيل أنه كان خارج الأراضي اللبنانية. وفي إطار الرّبط بين المعطيات، فإن ما يتبين هو أن فرضية تهريب ناصر الدين للغناج قد تكون قائمة، والأمرُ هذا يحتاجُ إلى حسم من ناصر الدين نفسه ومن مخابرات الجيش التي تتولى التحقيق مع غناج.
وفي حال صدقت رواية أن ناصر الدين لم يكن على دراية بأمر الجريمة، فإنه بعد الإعلان عنها، سيصبحُ بشكل أكيد على إطلاع عليها أقله من المعلومات والصور التي يجرى تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب الفرضيات المتداولة، فإنّ انتشار صورة الغناج ربما تكون ساعدت ناصر الدين في التعرّف عليه واكتشاف علاقته بجريمة أنصار. وفي هذه النقطة، تطرح تساؤلات جديدة: من الذي تواصل قبل الآخر لإتمام عملية أمنية - في حال حصلت -: ناصر الدين أم القوى الأمنية؟ وهل اتصال علي فياض بالغناج جاء قبل وجود أي تنسيق بين القوى الامنية وناصر الدين كون الأخير من المهربين النشطين على الحدود وبإمكانه تولي عملية نقل الغناج إلى الداخل اللبناني؟
ما تلمح إليه رواية ناصر الدين هو أنّه جرى التنسيق معه من قبل القوى الأمنية لاستدراج غناج بطريقته كون الأول قد يكون هو المهرب نفسه الذي نقل المجرم الموقوف إلى سوريا. الامر هذا يتعزز تماماً ويبرز في معطيات متقاطعة أبرزها أن ناصر الدين يقول في إحدى الفيديوهات إنه تمكّن من إستقدام الغناج من حمص وقد صوّر له باسبوره. وفعلياً، فإن هذا الكلام يكشف بشكل كبير عن حقيقة دور ناصر الدين في بادئ الأمر في تهريب غناج قبل معرفته بالجريمة، ومن ثم عمله على استدراج الأخير بعد انكشاف الأمر، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع رواية فياض وأمر اتصاله مع الغناج قبيل انطلاق الأخير من حلب على متن سيارة باتجاه الأراضي اللبنانية.
كيف يمكن لعملية الاستدراج أن تتم؟
من الممكن تماماً أن تكون القوى الأمنية عززت تواصلها مع ناصر الدين على افتراض أن هناك صلة له مع غناج، وتتعلق حصراً بتهريب الأخير. وبحسب المعلومات، فإن غناج كان وصل إلى حمص في سوريا ووجهته الثانية كانت دير الزور، مسقط رأسه. إلا أن الأساس هو أن وجهة غناج من الحدود إلى الداخل السوري تحتاج إلى مُهرّب مختص، ومن البديهي أن يكون هذا الشخص على معرفة بالمهرب الأساس الموجود على الحدود اللبنانية. وانطلاقاً من هذه العلاقة، يمكن أن تكون عملية الاستدراج بذريعة أمرٍ معين لم ينكشف، قد حصلت عبر الأشخاص نفسهم الذين قاموا بعملية تهريب الغناج لأول مرة.
لدى وصول الغناج إلى الحدود اللبنانية، فإنه من المفترض أن يلتقي بالمهرّب الذي سينقله إلى الداخل اللبناني، وما يتبين هو أن هذا الشخص هو محمد ناصر الدين.. ووفقاً للفرضيات المطروحة، فإنّه لدى دخول الغناج إلى لبنان، أطبق عليه ناصر الدين ومجموعته، وجرى نقله إلى مكانٍ سيحضر إليه الجيش من أجل تسلم المطلوب.
وهنا، فإن ما يحكى عن أن ناصر الدين جاء إلى المكان المجهول والتقط صورة مع الغناج بحضور عناصر عسكرية، إنما يعتبرُ كلاماً غير منطقي بالدرجة الأولى، وغير صحيح، لأنه لا يمكن للجيش أن يسمح لأشخاص عليهم مذكرات توقيف بلقاء مطلوب والتقاط الصور معه!