وسط استنفار واستعداد، بدأ "حزب الله" تكثيفَ نشاطه لخوض الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، مستنفراً كل موارده البشرية بطاقاتها كافّة.
حالياً، يُكثف الحزبُ "النمط التصعيدي" في خطاباته، متخذاً قرار الحسم بشأن ضرورة خوض المعركة بقوّة ومن دون أي تردّد. أما الأمر الأبرز فهو أنّ "التكليف الشرعي" للمشاركة بالانتخابات، باتَ حاضراً قبل يومين على لسان رئيس المجلس السياسي لـ"حزب الله" السيد إبراهيم أمين السيد، إذ اعتبر أن "الانتخابات هي فرصة عبادية"، وقال خلال احتفال في شمسطار: "تصومون في رجب وشعبان ورمضان، يجب أن تذهبوا إلى صناديق الاقتراع، لأن التصويت كما الصلاة في المساجد".
في الواقع السياسي، فإنّ "حزب الله" يركّز أنظاره بشدّة على داخل الطائفة الشيعية، إذ أن معركته القوية تتركّز هناك أكثر من مكان آخر. حتماً، فإن هذا الأمرَ سببه أمور عديدة من بينها استشعار "حزب الله" أن هناك خطراً ضمن بيئته الداخلية من شأنه أن يرتدّ عليه سلباً. كذلك، فإنّ هناك هجمة سياسية تجعل "حزب الله" يستنفرُ للدفاع عن نفسه، ولهذا قرر اعتبار الانتخابات معركة وجودٍ ما بعدها معركة.
وبسبب كل ذلك، فإنّ التوجهات لدى "حزب الله" ستكونُ راسية على مبدأ واحد، وهو السيطرة الكاملة على كافة الدوائر الانتخابية التي تعنيه.. فالخرق النيابي ممنوعٌ بأي شكل من الأشكال، وهذا الأمرُ سيتم تثبيته مع حركة "أمل" بالدرجة الأولى.
في المقابل، تطرح أسئلة عديدة عن دور "حزب الله" ومعركته داخل الطائفة السنية، في وقت كانت فيه مختلف الأطراف السياسية تتأهّب لأي تغلغل للحزب داخل الطائفة وسط غياب تيار "المستقبل".
في إطار المقاربة الشاملة لمختلف الدوائر، فإن ما يظهر هو أنه ما من مرشحين سُنة يشكلون استفزازاً لبيئتهم المناطقية وتحديداً من ناحية الانتماء. مع هذا، فإن ما تبين هو أن هناك قراراً لدى "حزب الله" بعدم خوض الانتخابات على المقاعد السنيّة بهدف انتزاع نسبة جديدة منها. وبمعنى آخر، فإن النمط القائم حالياً لم يظهر أن الحزبَ كرّس مرشحين سنة يدعمهم ضمن أي لائحة، الأمر الذي ترك مجالاً لأطرافٍ أخرى تقليدية تمارس معركتها الانتخابية ضمن الطائفة التي تسودها توجهات بين مقاطعة الانتخابات أو الاقتراع لصالح مرشحين في "جو المستقبل".
تقول مصادر سياسيّة مقربة من تيار "المستقبل" لـ"لبنان24" إنه "ليس من مصلحة حزب الله التغلغل في الطائفة السنية حتى وإن كان التيار الأزرق بعيداً عن الساحة"، وتضيف: "شئنا أم أبينا، فإن توجّه الشارع السني معروف تماماً، ولن يكون هناك قبول بطرحِ مرشحين سنة يميلون تماماً إلى حزب الله".
وسط ذلك، يبدو واضحاً أنّ "حزب الله" قرر الإبقاء على وضع المقربين منه ضمن الطائفة السنية، وتحديداً الذين لديهم حيثية سياسية في مناطقهم، مثل الوزير السابق عبد الرحيم مراد في البقاع الغروب، وفيصل كرامي في طرابلس. أما في ما خصّ النائب أسامة سعد في صيدا، فإن وضعه يختلف قليلاً كونه يمثل جبهة سياسية بحد ذاتها ضمن مدينته، وبالتالي فإنه متحرّر أكثر من غيره سياسياً، والقوة هذه هي التي جعلته يعلن صراحة عدم تحالفه مع الثنائي الشيعي في دائرة صيدا - جزين.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر سياسية صيداوية لـ"لبنان24" إنّ "سعد له مكانة في صيدا لا يمكن تخطيها، في حين أن التوازن في المدينة مطلوب باعتبار أن قاعدة تيار المستقبل ما زالت موجودة، وهناك توجه لأن تصوّت للمرشح القريب منها يوسف النقيب". وأضافت: "حزب الله لن يُحرج سعد بأي تحالفٍ معه، فالأخير مع الحزب وبدونه سيخرق نيابياً نظراً لضمانه الأصوات التفضلية التي تمكنه من الفوز".
حسابات
ما يتبين بشكل كبير هو أن عدم دخول "حزب الله" معترك الطائفة السنية الانتخابي، ارتدّ إيجابياً على مختلف الأفرقاء. الأمر هذا سمح، بشكل أو بآخر لتيار "المستقبل" بالتحرّك براحته من دون أن يضطر للانخراط بقوة في الانتخابات. وحتماً، لو كان هناك قرارٌ بخوض معركة انتخابية بين الحزب و"المستقبل"، لكانت الأمور في غير مكان، إذ أن المستقبل لن يكون بعيداً بقاعدته الشعبية وماكيناته الانتخابية عن استهداف أي مرشح يطرحه "حزب الله" في دائرة مفصلية.
كل ذلك قد يكونُ مرتبطاً بحساباتٍ محورية، أساسها عدم كسر "تيار المستقبل" من جهة، وعدم استفزاز الطائفة السنية في مرحلة مفصلية تمرّ بها. وهنا، فإنه من الضروري قراءة المشهد بعد الانتخابات، إذ أن الحسابات هذه قد تتغيّر مع دخول عناصر جديدة يمكن أن تؤمّن لـ"حزب الله" دخولاً إلى الطائفة السنية بشكلٍ متتابع. وبشكل فعلي، فإن كل هذه الأمور تبقى رهنٌ بالتوازنات التي يتم السعي للحفاظ عليها من مختلف الأفرقاء، في حين أن الكلام عن عودة الرئيس سعد الحريري واردٌ وقائم.. وتحديداً، فإن هذا الأمر ينتظر "حزب الله" انكشافَ آفاقه خلال المرحلة المقبلة ليبني على الشيء مقتضاه.