على مدار سنتين وأكثر مارس البابا فرنسيس فعل الاصغاء في ما خص الواقع اللبناني المأزوم والمتدهور والذي تغيب عنه اي امكانية لانتشال كرامة الانسان من جحيم العناد واللامبالاة ولعبة التلهي السياسية التي حالت وما زالت تحول دون وضع بلد "الرسالة" على السكة الصحيحة لبلوغ التعافي وللوصول الى برّ الأمان.
من سنتين او أكثر بقليل وعند بداية معالم الأزمة التي تم اخفاؤها لوقت طويل ما زاد من حدتها وما دفع نتائجها لان تكون اكثر كارثية وأشد ألم، في ذاك الوقت كان الاستغراب مخيّما على شريحة واسعة من أهل البلاد وسكانها وضيوفها المرحب بهم وغير المرحب بهم.
وكانت عبارة "لا يمكن ان يسقط لبنان" هي الأكثر تداولا نظرا لايمان مطلق عند الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بأن بلدهم قبلة للشرق والغرب ومحط مصالح للجميع ما يؤكد الزامية الدفع نحو استمرار لبنان دون أي اهتزاز اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمنيّ.
لكن ما نحن فيه اليوم، أثبت عكس النظرية التي تبناها اللبناني منذ الستينيات وحتى السنوات القليلة الاخيرة، فالجميع وبحجج مختلفة ومتنوعة تخلى عن لبنان، البعض تخلى عنه شامتا والبعض الآخر تخلى عنه حزينا وفي جميع الاحوال اتت النتيجة واحدة متمثلة بصور من اللاأمل ومن الطوابير التي ان حكت ستروي قصص فساد وجشع داخلي وروايات عن خارج اعتقد ان أهل الداخل بامكانهم تغيير معادلات دولية واقليمية لا ناقة ولا جمل لهم فيها.
وحدها روما بقيت صامتة، ولم تحاول منح الروح لطبقة سياسية دخلت في شبه غيبوبة على صعيد علاقتها بشعبها وناسها كما فعلت دول كبيرة لها قدرة على التأثير داخليا وخارجيا.
شاهدت العواصف المتتالية ورأت بأم عينها كيف دمرت بيروت وكيف طارت الأموال وجوّع الشعب وكيف لم يتمكن المجتمع الدولي ومعه المجتمع المحلي والمجتمع الكنسي ضمنا من ان يكونوا على قدر المصائب التي حلّت بشعب "شربل" و"رفقا" و"الحرديني" و"الطباوي اسطفان" وغيرهم.
وعلى الرغم من كل ما شاهدته بقيت صامتة وأرادت ان تعزز الاصغاء وتكثف التأمل، فكان اللقاء الروحيّ الجامع الذي تحدث فيه بطاركة الشرق وكانت اللقاءات الرسمية التي جمعت البابا فرنسيس برئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي.
وفي اللقاءات المذكورة لا نعلم ما قالت روما ولا ندري ماذا استنتجت، فصاحبة الدبلوماسية الناعمة تتحدث بمحبة ولباقة دائما حتى وان كان الوجع يتطلب رفع الصوت عاليا.
اما اليوم وعلى ما يبدو، انتقلت روما من مرحلة الاصغاء الى مرحلة التكلم، وكأنها بذلك تقول ان الوقت قد انتهى ولا بد من وضع الأصبع على الجرح حتى يعود قليل من "الاوكسيجين" الى رئتي لبنان الضعيفتين.
واللافت ان الزيارة التي اعلن عنها بصورة مفاجئة، ظهرت الى العلن بعد اغلاق باب تسجيل اللوائح الانتخابية وحدّد موعدها بعد فترة وجيزة من انتهاء العملية الانتخابية، وكأن بذلك تلميح واضح على اهمية استحقاق ايار الدستوري وتلميح الى أن العالم سيبدا بالتعاطي الجديّ مع الطبقة التي ستفرزها هذه الانتخابات في الخامس عشر من أيار، وهنا مسؤولية كبيرة على المواطن اللبناني الذي لا بد له من ان ينتقل من مرحلة "النق" الى مرحلة الفعل.
وفي الاطار لا بد من الاشارة ووفقا لبعض المصادر الكنسية الى ان "الزيارة البابوية المنتظرة لا يمكن تحويلها عن مسارها الوطني وبعدها الوجداني ولا يمكن الباسها لون دعم لفئة معينة او لشخصية محددة، اذ ان روما اعتادت ان تقف الى جانب الشعوب لا الى جانب الحكام.
كما لا يمكن تحديد معالم هذه الزيارة منذ اليوم، خاصة ان البابا فرنسيس يشهد له في خرقه للأعراف البالية ولبعض البروتوكول، من هنا قد نشهد زيارة غير اعتيادية وقد نشهد ظهورا غير متوقع للبابا في اكثر من مكان ما يدل على مزيد من الاهتمام بالمتألم والمهمش والفقير وما قد يحرج البعض من الطبقتين السياسة والدينية".
وفي المحصلة، يعوّل اللبنانيون كثيرا على زيارة البابا فرنسيس وينتظرون منه كلاما واضحا بعد طول اصغاء وتمعن، والوضوح لا بد له من ان يشمل المواطن والمسؤولين الروحيين والزمنيين، فهل يفعهلها البابا ويقول ما يجب ان يقال ام ان الدبلوماسية الناعمة سترافقه من روما الى بلاد الأرز؟