تظهر التطور الإيجابي في الموقف الخليجي من لبنان، مع إعلان الخارجية السعودية عن عودة السفير وليد البخاري إلى لبنان في الساعات المقبلة. فهذه الخطوة جاءت بالتنسيق مع فرنسا التي لعبت دوراً أساسياً في تغيير الموقف السعودي من لبنان، وربطا بالاتصالات المكثفة بين دول الخليج لإعادة ترتيب العلاقات مع لبنان حيث تبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قرار الحكومة الكويتية عودة السفير عبد العال القناعي إلى بيروت.
هذا الاختراق في العلاقات اللبنانية – السعودية ليس وليد اللحظة الراهنة، ويرد إلى محطات وتدخلات ومساعي فرنسية على وجه التحديد، برزت مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الرياض ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان التي ترافقت مع اعلان الاليزية عن مبادرة فرنسية ــــ سعودية مشتركة لمعالجة الأزمة بين بيروت والرياض، مع تأكيد السعودية وفرنسا التزامهما معاً العمل لدعم الشعب اللبناني والرغبة في أن تتمكّن الحكومة اللبنانية من الاجتماع والعمل بسرعة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. كل ذلك تقاطع مع زيارة وزير الخارجية الكويتية الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان حاملا مبادرة خليجية اكد لبنان الرسمي التزامه بها بما يخدم مصلحة لبنان ويعيد العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها. كما تقاطع مع لقاء الرئيس ميقاتي في قطر على هامش منتدى الدوحة، الوزير الكويتي الذي نقل إلى رئيس الحكومة ترحيب بلاده بالبيان الذي اصدره واكد فيه ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان، وهذا كله سيفضي بحسب الكويتيين لعلاقة مستدامة مع لبنان.
وفق مصدر متابع لمجريات الامور عن كثب، فإن عودة السفيرين السعودي والكويتي في الساعات المقبلة، يشكل اعلانا لنهاية الأزمة بين لبنان والخليج، وان كان سقف العودة السعودية دون الطموحات المعقودة، بانتظار أن يستفيد لبنان من بداية ربط النزاع لتطوير هذا المسار عبر اشارات تبعث على الايجابية تمهيدا لتطوير العلاقات في المستقبل القريب.
الاكيد، وفق المصدر نفسه، أن الخطويتين الكويتية والسعودية تمثلان انتصارا لصبر الرئيس ميقاتي ونجاحه في تجاوز العبوات التي وضعت في وجه مساعيه لاعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى ما كانت عليه عبر اتخاد وزارة الداخلية تعليق احياء فعاليات المعارضة البحرينية في الضاحية التي كانت ستسيء للملكة وغيرها من المحطات التي كانت ستعمق الأزمة أكثر.
وسط هذا المشهد، تقول مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ"لبنان24"، إن باريس التي دخلت على خط تدوير الزوايا في لبنان والتي تقود حراكا لعقد مؤتمر حوار حول لبنان برعايتها، أقنعت السعوديين بأن سياسة مقاطعة لبنان وحصاره اقتصاديا لم تؤت ثمارها، وهذا يستدعي إجراء مراجعة للسياسة السعودية في لبنان، مع اشارة المصادر إلى اتفاق فرنسي – سعودي على دعم لبنان عبر صندوق دعم اجتماعي – إنساني الذي كان محور بحث بين ماكرون وبن سلمان اذا لم يخرج عن اطار المبادرة الكويتية.
هذا السياق، لا يمكن فصله عن الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدول الذي سيكون مقدمة لإنجاز التزام لبنان الإصلاحات وخطة التعافي مقابل التمويل الميسّر. وتقول المصادر نفسها، إن وفدا فرنسيا جال في الأيام الماضية على الكتل السياسية وأبدى استعجالا لإقرار الإطار القانوني لمشاريع واقتراحات قوانين احيلت إلى المجلس النيابي وتتصل بخطة التعافي وبرنامج صندوق النقد(في إشارة إلى الكابيتال كونترول) قبل الانتخابات النيابية المقبلة، مع إشارة المصادر إلى تعويل فرنسي على استجابة المعنيين لما لهذه الاقتراحات من أهمية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من لبنان.
ويقول رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق لـ"لبنان24" إن عودة العلاقات اقله الدبلوماسية بين لبنان والسعودية والتي ستترافق مع عودة السفير الكويتي اليوم تشكل خطوة إيجابية للجهود الجبارة التي تبذلها حكومة الرئيس ميقاتي لتأكيد عروبة لبنان والتي تجلت بالخطوات العملية لضبط المعابر والحدود لمنع استعمال لبنان كممرا او معبرا لتهريب المخدرات أو كمنبرا إعلاميا للتهجم على قيادات المملكة ودول الخليج ، املا بأن تلي تلك الخطوة عودة العلاقات التجارية بين البلدين عبر إعادة تصدير المنتجات اللبنانية إلى الأسواق السعودية ومنها إلى دول الخليج .
في المقابل، لا يربط رزق عودة السفير البخاري بالاستحقاق النيابي، فالموقف الرسمي السعودي معروف وواضح وهو عدم التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية وعدم اقحام السعودية بعملية التنافس الانتخابي، مع اشارته إلى أن الدول المعنية بالشأن اللبناني تفضل أن تتعامل مع قوى سياسية تتمتع بشرعية دستورية لتمرير المخططات التي تحاك تجاه المنطقة وخاصة لبنان. وهنا تكمن أهمية هذه الانتخابات والتي ستعطي شرعية دولية للقوى الفائزة تؤهلها للتفاوض على كل المواضيع العالقة. فلبنان على مفترق طرق حقيقي، ستقرر تلك الانتخابات مستقبله وهويته ودوره في المنطقة.